كان لافتاً لكل رواد مهرجان الجونة السينمائي ذلك المعرض المقام على هامش فعاليات التظاهرة، والذي احتضنته جدران «جامعة برلين» في تلك البلدة البحرية الجميلة، إذ لفت أنظار المشاركين ربما لكونه جاء جديداً ومبتكراً من حيث فكرته، والتي قامت على عرض الأفيشات الدعائية للأفلام العالمية التي قامت على قصص عربية، لاسيما المأخوذة عن حكايات أسطورية تقوم على الفانتازيا أو تلك المقتبسة عن كتاب «ألف ليلة وليلة». وصاحب المعرض ومنظّمه هو الناشر اللبناني عبودي أبوجودة، الهاوي والمهتم بتاريخ السينما العربية والأجنبية، والذي دفعه ذلك الشغف إلى تنمية هوايته ليتحول إلى جمع الملصقات السينمائية، إذ اتجه إلى تأريخ السينما عبر أفيشاتها. ضم المعرض نحو خمسين ملصقاً تعود إلى بداية ظهور السينما في العالم، وجاءت فكرته لتدور من حول «صورة العرب في المخيلة الأجنبية»، إذ توضح للمشاهد كيفية تخيل السينمائيين في أميركا وأوروبا للعرب، وعملية البحث عن الخيال والفانتازيا والحب العذري المستلهمة من الكتابات العربية القديمة. تنتمي أفيشات المعرض إلى المراحل الأولى من بداية الفن السابع، بين عامي (1920-1950)، إذ لم يتسع المعرض لمزيد من الملصقات المنتمية إلى الحقب الزمنية التالية، بخاصة أن أبو جودة يمتلك الآلاف منها، وتنوعت المعروضات بين ما يعود إلى أفلام عدة بينها الفرنسية والأميركية والإنكليزية، وأخرى عربية للفيلم نفسه، حيث كانت الفكرة الرئيسة تقوم على تبيان أن كل دولة لديها مخيلة مختلفة عن سواها لملصق الفيلم. فيصادف رواد المعرض الملصق الأميركي لفيلم «ابن الشيخ» الذي يختلف عن نظيره الفرنسي في كيفية رؤيته وتصويره المرأة. بينما هناك أكثر من ملصق لفيلم «لص بغداد» حيث مشهد البساط السحري لأكثر من جنسية بينها اليوغوسلافي والدنماركي الذي يعتمد على الرسوم المتحركة، وآخر روسي وألماني وأميركي حيث يسيطر عليها أجواء السحر والفانتازيا. كما يحتوي المعرض على الملصقات التي تعود إلى أفلام لم تعرف أو تشتهر في الوطن العربي من قبل. رحلة أربعين عاماً وكشف أبو جودة ل «الحياة» كيفية حصوله على تلك الملصقات قائلاً إنه بحث عنها في قاعات السينما، إذ صال وجال بين دور العرض في لبنان ومصر وبغداد ودول عربية أخرى، إضافة إلى أميركا وأوربا «باحثاً في دور العرض المختلفة». منوهاً بأنه يعتبر المعرض الأول من نوعه في العالم وليس الوطن العربي فقط، مؤكّداً أنه استغرق أربعين عاماً لجمع تلك المحتويات والملصقات، إذ بدأ رحلة البحث عنها منذ عمر المراهقة، ويفكر في إصدارها في كتاب يأتي شبيهاً بكتاب فخم سابق له يستعرض ملصقات السينما اللبنانية بل حتى كل الأفلام الأجنبية التي صُوّرت في لبنان. ويسهب أبو جودة في حديثه عن رحلته في البحث عن تلك الملصقات قائلاً: «ذهبت إلى القرى والريف في مصر، وكذلك الى مدينة الإسكندرية حيث دور العرض القديمة، لأنه خلال فترة ما قبل السبعينات قبل ظهور الفيديو كانت دور السينما كل أربع أو خمس سنوات، تعيد عرض الأفلام القديمة لاسيما المهمة والشهيرة منها، لذا كانت دور العرض تحتفظ بالصور والمصلقات في حال إعادة عرضها». ويعتبر أبوجودة جمع الملصقات ناهيك عن عرضها، هواية جميلة ومحببة إلى نفسه، لافتاً إلى أنه عثر على ملصقات مصرية في لبنان وسورية وتونس بينما لم يجدها في مصر، بينما عثر على ملصقات أفلام لبنانية في مصر وتونس ولم يجدها في بيروت. وأبدى أبوجودة اهتمامه وشغفه بالسينما والفن، ويأمل بأرشفة السينما المصرية في كتاب لأنه يعتبرها «أم السينما العربية»، وتمتلك النصيب الأكبر والأوفر من الملصقات التي يبلغ عددها نحو 5000- 6000 ملصق، وأعرب عن أمنيته بأرشفة السينما في كل الدول العربية عبر «صورة بصرية» عن «تاريخ السينما». وحول ردود فعل الجمهور على معرضه في الجونة ومدى تجاوب الزائرين قال أبو جودة: «لاقى المعرض إقبالاً كبيراً من رواد المهرجان لاسيما الشباب الذين اهتموا بالتعرف على التاريخ، كما راقت لهم جمالية الملصقات». وفي شأن إمكانية أن تشهد الدورة المقبلة من المهرجان إقامة معرض مشابه لفترات زمنية تالية من تاريخ السينما قال: «لا أعلم بعد، فربما يقام معرض حول فكرة مختلفة مع الاكتفاء بهذه السلسة، وسأقوم بالتنسيق مع إدارة المهرجان، فثمة موضوعات كثيرة يمكن العمل عليها». مشدداً على أن المهرجان أتاح له فرصة ظهور المعرض وأعطاه حافزاً للاستمرار مستقبلاً».