قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق أمس بعدم إمكان انفصال أي منطقة أو محافظة عن البلاد، ما يعزز قبضة الحكومة، في وقت تسعى إلى عدم تكرار الاستفتاء الذي أجرته كردستان في أيلول (سبتمبر) الماضي. وقال ناطق باسم المحكمة إن الحكم جاء استجابة لطلب من الحكومة المركزية وضع حد لأي تفسير خطأ للدستور وتأكيد وحدة العراق. وبعد القرار بقليل حض رئيس الوزراء حيدر العبادي الإقليم الكردي شبه المستقل على الالتزام بالحكم. وقال في بيان: «نطالب الإقليم بإعلان واضح يؤكد الالتزام بعدم الانفصال أو الاستقلال عن العراق، بناء على قرار المحكمة الاتحادية». ولم يرد أي تعليق من السلطات الكردية. وكان الأكراد صوتوا بغالبية كاسحة لمصلحة الانفصال في استفتاء أُجري في 25 أيلول في تحد للحكومة المركزية وكذلك لتركيا وإيران المجاورتين. وشنت القوات الحكومية «الحشد الشعبي» عملية مفاجئة في 16 تشرين الأول (أكتوبر) رداً على ذلك. وتمكنت من استعادة السيطرة على كركوك، ومناطق أخرى متنازع عليها. وأكد العبادي أن «مضي الحكومة في الإجراءات اللازمة لفرض السلطة الاتحادية» من دون ذكر المزيد من التفاصيل. وأضاف أن بغداد ملتزمة «الحفاظ على وحدة العراق ومنع أي محاولة انفصالية». وقال الخبير الدستوري أحمد يونس إن قرار المحكمة يعزز قبضة الحكومة في التعاملات مع الأكراد في المستقبل، وقد وضع نهاية لمساعيهم إلى الانفصال». والمحكمة مسؤولة عن الفصل في النزاعات بين الحكومة المركزية والمحافظات بما فيها كردستان. وأحكامها نهائية وملزمة وفقاً للدستور، ولكنها لا تملك آلية لتنفيذ أحكامها في الإقليم. وكان رئيس وزراء الإقليم نيجيرفان بارزاني كرر في وقت سابق أمس دعوته إلى حل الخلافات مع الحكومة بالحوار وليس القوة. وقال خلال مؤتمر صحافي أمس: «نرغب بالتفاوض وفقاً للدستور، لكن بغداد ما زالت غير موافقة على الحوار، ونؤكد استعدادنا لتسليم الواردات النفطية إذا تعهدت صرف حصة الإقليم من الموازنة البالغة 17 في المئة، إلا أن في مسودة الموازنة الحالية تم تخصيص 12 في المئة فقط، وهذا خرق واضح للدستور الذي يعرف الإقليم ككيان». وتابع: «إذا كانت لدى بغداد نية لدفع الرواتب على أساس النظام البايومتري سنرسل إليها البيانات المتعلقة بأسماء الموظفين»، لافتاً إلى أن «صادرات الإقليم النفطية تراجعت إلى أقل من النصف بعد أحداث كركوك منتصف الشهر الماضي»، في إشارة إلى إعادة انتشار القوات الاتحادية في المناطق المتنازع عليها. وشدد على أن «الأزمات لن تحل بالقوة العسكرية التي تهدد بها بغداد الآن، وتجارب السنوات الماضية تثبت أن أي طرف لن يظل قوياً أو ضعيفاً في كل المراحل، للأسف هناك قوات عسكرية كبيرة من الحشد الشعبي والقوات الأخرى في مناطق ربيعة وسحيله وغيرها (غرب نينوى قرب الحدود مع سورية)، وهذا لن يحل الأزمة، إلا عبر حوار سياسي استراتيجي جاد بعقلية منفتحة ووقف دائم للنار، ونحن مع حل مشكلة المعابر الحدودية وفق الدستور بدلاً من الحرب». ودعا العبادي إلى «التعامل كرئيس وزراء للعراق الاتحادي وليس كرئيس حزب، من خلال اللعب على ورقة القوى الكردستانية (الخلافات الكردية– الكردية)». وزاد أن حكومته «ما زالت لديها اتصالات مع الجارتين تركيا وإيران، ونحن على استعداد لزيارة الدولتين إذا كانت لديهما الرغبة في ذلك». إلى ذلك، أفاد نواب أكراد بأن وفداً سيتوجه إلى بغداد بعد انتهاء مراسم الزيارة الأربعينية لمقتل الإمام الحسين للبحث في الموازنة، على أن يضم متخصصين في مجالات النفط والمال والإدارة. وكانت «قيادة العمليات المشتركة» في وزارة الدفاع اتهمت «البيشمركة» بالتنصل من اتفاق على تسليم معبري إبراهيم الخليل مع تركيا، وفيشخابور عند المثلث الحدودي العراقي- السوري- التركي. وأكد الناطق باسم وزارة «البيشمركة» الفريق جبار ياور أمس «عقد اجتماع مع وفد من وزارة الدفاع، وهناك تفاهم حول بعض النقاط، واختلاف في بعضها الآخر، وأهم نقطة خلافية هي إصرارهم (بغداد) على نشر قوات على طول حدود الإقليم مع دول الجوار من دون تنسيق، ويرفضون النقاش في هذه النقطة، ما يتعارض مع مبدأ المفاوضات». وأقر ياور بأن «التوتر ما زال قائماً في مناطق التماس، خصوصاً عند الخط الممتد من ناحية زمار وصولاً إلى الحدود السورية، وكذلك في مخمور جنوب غربي أربيل وآلتون كوبري». وتابع: «ليست لدينا خطوط حمر، نحن نرغب في الحوار، ولا حاجة إلى نشر قوات عسكرية على الحدود كما تريد بغداد، لأنها تتبع دوائر مدنية وليست عسكرية، ونرغب بإدارتها في شكل مشترك». وكان الطرفان بدآ عملية تفاوض إثر هدنة أعلنتها بغداد الأسبوع الماضي، غداة معارك عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمدفعية بينهما، وبعد أسابيع من التوتر تمكنت خلالها القوات العراقية من السيطرة على العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرة الأكراد منذ عام 2014. وقال العبادي خلال لقاء مع صحافيين وإعلاميين في بغداد: «هناك تراجع من قبلهم (الأكراد) عن الاتفاق». وأضاف: «إذا لم يلتزموا سننفذ الذي نريده. وإذا تعرضت قواتنا لإطلاق نار سنريهم قوة القانون. لا يوجد مأمن لأحد في العراق من قوة القانون». وأصدرت قيادة العمليات المشتركة بياناً مساء الأربعاء الماضي أكدت فيه أن «قيادة إقليم كردستان ووفدها المفاوض تراجعا بالكامل عن المسودة المتفق عليها والتي تفاوض عليها الفريق الاتحادي معهما»، معتبرة أن «هذا لعب بالوقت». وأضافت أن «الإقليم يطيل فترة التفاوض بتحريك قواته وبناء دفاعات جديدة لعرقلة انتشار القوات الاتحادية». ومساء الأربعاء أصدرت وزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان بياناً أكدت فيه أن مطالب قيادة العمليات المشتركة «غير دستورية وغير واقعية». وجاء في البيان إن «رد القيادة المشتركة إضافة إلى أسلوب التعالي والغرور المتسم به يتضمن مطالبات غير دستورية وغير واقعية تشكل خطراً على إقليم كردستان ومواطنيه ومتضمنة زوراً وبهتاناً اتهامات باطلة» للبيشمركة.