عشية النقاش حول العلمانية ومكانة الإسلام في المجتمع الفرنسي الذي ينظمه اليوم (الثلثاء) حزب «التجمع من أجل الحركة الشعبية» (اليمين الحاكم) ويثير معارضة واسعة النطاق، أصدر وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان مذكرة تفصيلية في شأن قانون حظر النقاب في الأماكن العامة. وتهدف مذكرة غيان الموجهة الى رجال الأمن الذين سيتولون تطبيق قانون حظر النقاب في الأماكن العامة في 11 من الشهر الجاري، الى إرشادهم لكيفية أداء هذه المهمة البالغة الحساسية بقدر أدنى من الإشكالات. وتفيد المذكرة انه يتوجب على رجال الأمن إبلاغ كل من يرتدي زي يخفي ملامح وجه في الأماكن العامة، بأنه عرضة لمحضر ضبط يعرضه لغرامة قدرها 150 يورو أو التحاق بدورة تدريب على المواطنية وفقاً لما يقرره في هذا الشأن القضاة المختصين. وتؤكد الى أن ارتداء الحجاب مستثنى من هذا القانون وكذلك القبعات والنظارات، وانه يتوجب على المنقبة الكشف عن وجهها، لدى إيقافها من قبل رجال الأمن لكي يتمكنوا من التحقق من هويتها، وان من يمتنعن عن ذلك يقتدن الى قسم الشرطة. وتوضح المذكرة أن ارتداء النقاب محظور تماماً في الأماكن العامة ووسائل النقل العام، باستثناء أماكن العبادة، وتوصي رجال الأمن بتجنب المناطق القريبة من أماكن العبادة سعياً لتغريم المنقبات. وكان هذا القانون الذي أقر 11 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي شهد ولادة عسيرة نظراً للاعتراضات التي أثارها في أوساط المسلمين الفرنسيين وغيرهم من مواطنين، لم يروا أي جودة منه سوى استثارة الحساسيات خصوصاً أن عدد المنقبات في فرنسا لا يتجاوز ثلاثة آلاف امرأة على أقصى تقدير. ورئيس حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» جان فرانسوا كوبيه وضع ثقله من أجل إصدار هذا القانون، كما انه صاحب فكرة النقاش حول العلمانية والإسلام. وتقلص هذا النقاش تحت وطأة الانتقادات التي أثارها، من نقاش شامل حول الإسلام في فرنسا، الى مجرد مادتين شديدتين مدة كل منهما ساعة، تقتصر المشاركة فيهما على من أراد من أعضاء الحزب الحاكم، بعد أن استبدل عنوانه ليصبح نقاشاً حول العلمانية. ويثير النقاش لجهة توقيته، قبل نحو عام من انتخابات الرئاسة المقبلة، وبعيد المؤشرات الواضحة على تصاعد شعبية اليمين المتطرف الكثير من الريبة والتساؤل حتى في أوساط الحزب الحاكم. كما انه يثير أيضاً الريبة والتساؤل من حيث عنوانه إذ أن موضوع الإسلام ليس الهاجس الأساسي المسلط اليوم على الفرنسيين، وإنما البطالة وارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية. وحذر الكثير من كبار المسؤولين، وفي مقدمهم رئيس الحكومة فرانسوا فيون ووزير الخارجية آلان جوبيه، وغيرهما من خطورة تحول هذا النقاش في ظل الأوضاع القائمة في البلاد الى تحامل على المسلمين الفرنسيين، على أمل جذب تأييد ناخبي «الجبهة الوطنية الفرنسية»، اليمين المتطرف. وشكل هذا النقاش محور رفض من قبل ممثلي الجالية المسلمة الفرنسية، انضم إليه ممثلو الديانات الخمس الفرنسية الأخرى، إضافة الى الكثير من المنظمات والجمعيات الأهلية الفرنسية. وكانت باريس شهدت أمس تظاهرات احتجاج مناهضة لهذا النقاش، الذي يعتبر الكثيرون في فرنسا أن هدفه تصويب الانتباه نحو الإسلام لإخفاء صعوبات الدافع الاقتصادي والاجتماعي.