لم يخرج لبنان الرسمي والشعبي من الصدمة التي أحدثتها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وبقي القلق مسيطراً على الجو العام، في ظل تريث رئيس الجمهورية ميشال عون في قبول الاستقالة بانتظار عودة الحريري إلى بيروت للاطلاع منه على ظروفها. ومع انقطاع الحريري الموجود في المملكة العربية السعودية عن التواصل مع القيادات السياسية اللبنانية التي تترقب الموقف الذي سيتخذه عون في حال لم تفلح الجهود المبذولة على أكثر من صعيد في اقناع الحريري بالعودة عن استقالته، تسود المخاوف من أن تتحول أزمة استقالة الحكومة إلى أزمة حكم (للمزيد). وواصل رئيس الجمهورية أمس مواكبة التطورات التي استجدت بعد اعلان الحريري استقالته وتلقى اتصالاً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري أطلعه فيه على الأجواء التي سادت اجتماعه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ، وأعرب عن أمله بأن يفتح اللقاء باباً كبيراً للانفراج، داعياً اللبنانيين إلى تهدئة النفوس. فيما دعا الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطاب أمس الى الهدوء وانتظار عودة رئيس الحكومة يوم الخميس المقبل. وعلمت «الحياة» من مصادر لبنانية مواكبة للاتصالات التي يقوم بها عون أنه ليس في وارد التسرع في تحديد الخطوات الدستورية لملء الفراغ في السلطة التنفيذية. وعزت سبب تريثه إلى إمكان استحضار مساع إقليمية ودولية يمكن أن تثني الحريري عن الاستقالة، بما يسمح بإجراء مشاورات على البارد للبحث مع الأطراف في مرحلة ما بعد هذه الاستقالة، لأنها لن تكون كما كانت طوال فترة وجود الحريري على رأس الحكومة. وفي هذا السياق، أجرى عون اتصالاً بالسيسي وتداول معه في المستجدات الراهنة، وأكد الرئيس المصري وقوف مصر إلى جانب لبنان رئيساً وشعباً ودعمها سيادة لبنان وسلامة أراضيه ووحدة شعبه، كما أجرى اتصالاً بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي أكد دعم بلاده وحدة اللبنانيين ووفاقهم الوطني وكل ما يحفظ استقرار لبنان. لكن التريث في تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة مع الكتل لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، لم يبدد من حال القلق حيال إمكان المجيء بحكومة سياسية يمكن أن يتجاوز رئيسها السقف الذي رسمه الحريري في تحميله إيران، ومن خلالها «حزب الله»، المسؤولية المباشرة عن وضع اليد على لبنان، إلا إذا كان البديل حكومة تكنوقراط تتولى الإشراف على اجراء الانتخابات النيابية المقررة في أيار (مايو) المقبل، مع أن وجودها في ظروف استثنائية يطرح أكثر من سؤال حول مصيرها. ويرافق القلق على مستقبل لبنان السياسي، قلق اللبنانيين على مستقبل الليرة اللبنانية، وهذا ما دفع حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة إلى تأكيد استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي وأن هذا الاستقرار هو لمصلحة لبنان ويحظى بإجماع لبناني. نصرالله ومساء أمس استغرب الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله إعلان الحريري الاستقالة من الرياض. ورأى أن استقالته أوجدت قلقاً في لبنان وجاءت مفاجأة للبنانيين، ونحن في الحزب نقول: لم نكن نتمنى أن تحصل وأن يستمر على رأس الحكومة إلى حين إجراء الانتخابات النيابية. ولفت نصرالله إلى أن لا سبب داخلياً للاستقالة، ودعا الى الهدوء والصبر في انتظار استيضاح الصورة وعدم الإصغاء إلى الإشاعات والتحليلات. وأكد حرص حزبه على الاستقرار والأمن والسلم الأهلي. ودعا نصرالله أيضاً إلى عدم العودة الى المناخات السابقة من تحريض مذهبي وطائفي، ورأى أن هناك ضرورة لابتعاد الجميع عن استخدام الشارع لأنه لن يؤدي إلى نتيجة، وشدد على الإبقاء على قنوات الاتصال للتعاطي مع المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن رئيس الجمهورية والرئيس نبيه بري يتواصلان منذ اللحظة الأولى مع الجميع وبشكل هادئ «ريثما يعود الحريري يوم الخميس المقبل إلى بيروت» لنبني على الشيء مقتضاه.