في وقت استمرت المعارك بين الثوار وقوات العقيد معمر القذافي كراً وفراً حول مدينة البريقة النفطية في شرق البلاد، أفيد بأن قوات الزعيم الليبي شددت هجماتها على المدن الخاضعة لسيطرة الثوار في الجبل الغربي جنوب العاصمة طرابلس. وتزامنت التطورات الميدانية مع تغييرات في صفوف القيادة العسكرية للثوار بناء على قرار من المجلس الوطني الانتقالي برئاسة مصطفى عبدالجليل. إذ وضع المجلس القيادة العسكرية التي تقود المعارك ضد قوات القذافي كلياً تحت إشراف اللواء عبدالفتاح يونس الذي انشق عن نظام القذافي بعد بدء الثورة في 17 شباط (فبراير) الماضي. ويتولى عبدالفتاح يونس حالياً منصب قيادة الأركان العامة للقوات المسلحة في «جيش التحرير الوطني». لكن صحيفة «واشنطن بوست» لفتت أمس إلى أن مشاكل داخلية تعاني منها صفوف الثوار الذين كادت قوات القذافي أن تقضي عليها الشهر الماضي لولا تدخل قوات التحالف الدولي ومنعها من التقدم صوب بنغازي، معقل الثوار. لكنها أشارت إلى أن الثوار بدأوا الآن يحصلون على تدريب عسكري أفضل وقيادة أوضح، وقالت إن المجلس الانتقالي صار ينأى الآن بنفسه عن القائد العسكري خليفة حفتر. ورأى بعض الأوساط في حفتر منافساً ليونس على قيادة الثوار. وكان المجلس الانتقالي أشاد قبل فترة بمجيء حفتر إلى شرق البلاد كونه يساهم في تنظيم صفوف المقاتلين، بعدما كان هذا الضابط السابق في الجيش الليبي عاش لسنوات في الولاياتالمتحدة. لكن الناطق باسم المجلس الانتقالي عبدالحفيظ غوقة قال السبت إن حفتر لا دور قيادياً له في جيش الثوار. وقال: «عرّفنا القيادة العسكرية قبل وصول حفتر من الولاياتالمتحدة»، في إشارة إلى تعيين عبدالفتاح يونس قائداً للقوات المسلحة للثوار وعمر الحريري مسؤولاً عن الدفاع في المجلس الانتقالي. وأضاف: «قلنا للسيد حفتر إنه إذا أراد يمكنه أن يعمل داخل هذه البنية (العسكرية) التي حددناها». لكن «واشنطن بوست» نقلت عن مصدر عسكري قريب من حفتر إن الأخير ما زال يعتبر نفسه قائداً للجيش وإن كلام غوقة أثار غضباً بين المواطنين. وتابع المصدر الذي رفض كشف اسمه لحساسية الموضوع: «الأمور مقلوبة رأساً على عقب في بنغازي نتيجة هذا الأمر». وأضاف: «إنهم يقولون إن على غوقة أن يرحل. إن الناس تريد حفتر. لا أحد يمكنه أن يبعده عن الجيش أو عن قلوبنا». وذكرت الصحيفة أن التوتر بين يونس وحفتر ظهر بعدما التحق الثاني بالأول في بنغازي في آذار (مارس) الماضي وتم تعيينه قائداً عسكرياً تحت قيادة يونس الذي كان قائداً للقوات الخاصة الليبية وتولى منصب وزير الداخلية في حكم القذافي قبل أن ينشق مع بدء الثورة في شباط (فبراير) الماضي. لكن حفتر انشق عن القذافي في الثمانينات بعدما أسرته القوات التشادية. وانضم لاحقاً إلى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا وقاد قواتها المسلحة لكنه اختلف بعد ذلك مع قادتها السياسيين وافترق عنهم. وقلل مصطفى غرياني، وهو أحد الناطقين باسم الثوار، من أهمية حفتر في جيش الثوار، قائلاً إنه جاء إلى ليبيا «مثل كلينت ايستوود» طامحاً في تولي القيادة. ولفت إلى أن حفتر قضى 25 سنة خارج ليبيا. في غضون ذلك، ذكرت وكالة «فرانس برس» من قرب البريقة أن المعارك استؤنفت أمس الأحد بين قوات معمر القذافي والثوار على مشارف هذه المدينة النفطية الواقعة في شرق البلاد، حيث يحقق حلف شمال الاطلسي في مقتل 13 شخصاً قال الثوار إنهم سقطوا في غارة شنتها طائرات الحلف. وعلى غرار الأيام الأخيرة ما زالت المعارك تدور حول مصب البريقة النفطي حيث استولى الثوار على جامعة النفط وهي مجمع ضخم على مدخل هذه المدينة (800 كلم شرق طرابلس) و240 كلم جنوب بنغازي، معقل المعارضة. وأكد الثوار انهم استعادوا المدينة وارغموا القوات الحكومية على التقهقر، لكن سمع تبادل نيران مدفعية. ويبدو أن قوات القذافي تراجعت الى الغرب. وأعلن عبدالقادر المنفي (39 سنة): «كنا في البريقة وما زالوا يطلقون الرصاص بالكلاشنيكوف، سيذهب رجالنا اليهم للقضاء عليهم، هذا مؤكد». وأكد عسكري قال إنه «عقيد» في صفوف الثوار رافضاً كشف هويته أن «الوضع على ما يرام ونحن على مشارف البريقة»، مضيفاً أن «جيش الديكتاتور يتقهقر، سنسيطر على المدينة قريباً». أما وكالة «رويترز» فأشارت إلى سماع هدير الطائرات ودوي الانفجارات ونيران الأسلحة الآلية قرب البوابة الشرقية للبريقة التي يندر بها السكان وتمتد على مساحة 25 كيلومتراً. وتصاعد دخان أسود غرباً وتحركت مئات السيارات التي تقل مقاتلين متطوعين بعيداً من البلدة. وفي وقت لاحق سقط نحو ستة صواريخ قرب البوابة. وتمسك المقاتلون الذين ينتظرون هناك بمواقعهم في الوقت الذي شوهد رجال وشاحنات تجوب الصحراء خارج الطريق. وانطلقت أربعة صواريخ متجهة الى البريقة. وعلى بعد 600 كلم غرب البريقة، ما زالت جبهة اخرى مستعرة في مصراتة ثالث كبرى المدن الليبية التي يسيطر عليها الثوار وتحاصرها قوات القذافي منذ عدة اسابيع وتقصفها بالمدفعية الثقيلة، كما قال ناطق باسم الثوار. وأطلقت قوات القذافي السبت نيران مدفعيتها الثقيلة ودباباتها على المدينة وحاولت اقتحامها من ثلاث نقاط، كما صرح ناطق باسم الثوار إلى مراسل «فرانس برس» في المدينة، موضحاً انه لم تحصل أي غارة من الحلف الاطلسي السبت رغم ان طائراته حلقت فوق المدينة. ونقلت وكالة «رويترز» عن سكان في الجبل الغربي أن قوات موالية للقذافي هاجمت بلدتين في يد الثوار أمس الأحد. وقال سكان المنطقة إن القوات الحكومية استخدمت الدبابات في قصف بلدة الزنتان على بعد 160 كيلومتراً من طرابلس بينما قتل شخصان في يفرن المجاورة. وقال السكان إن قوات القذافي تقتل الماشية هناك. وقال أحد سكان الزنتان التي تحاصرها قوات القذافي وتقصفها منذ أسابيع ل «رويترز» عبر الهاتف إن الهجمات قد تجددت. وقال المقيم واسمه عبدالرحمن: «كتائب القذافي قصفت الزنتان بنيران الدبابات في الساعات الأولى من صباح اليوم الأحد (أمس). كان هناك قصف عشوائي للمنطقة الشمالية (في الزنتان). ما زالت (الكتائب) تحاصر البلدة». ونقلت قناة «العربية» التلفزيونية الفضائية عن شاهد في يفرن إن قوات القذافي تقصف البلدة منذ السبت. ونقلت عن أحد سكان المنطقة ويدعى ظريف: «نحن نواجه هجمات عنيفة منذ البارحة وحتى الآن على يفرن ... استشهد اثنان قبل قليل منذ عشر دقائق على الأقل وهناك أربع إصابات بين البارحة واليوم». وقال عبدالرحمن من الزنتان انه يتواصل مع أقاربه في يفرن الذين قالوا له إن قوات القذافي تقدمت نحو المنطقة المحيطة بالبلدة. وقال «إنهم يفتشون البيوت... قتل الجنود كل شيء وجدوه بما في ذلك الماشية. قتلوا وأكلوا عدداً لا يحصى من الخراف. قتل نحو مئة ناقة يملكها أحد أقاربي. انهم يقتلون كل شيء».