من الآن فصاعداً تزداد «شراسة» الأصوات المطالبة بضرورة انقاذ محمود درويش. لا نعرف مم يمكن انقاذه؟ أمن خلال منع «حطّابي» اللغة والانشاء السريع من الكتابة عنه وعن تجربته الاستثنائية التي صنفته «غولاً شعرياً التهم عصره» بحسب الناقد الفلسطيني يوسف سامي اليوسف، أم من مسايرة الجماعة والمناداة معها بضرورة ايقاف المسلسل الذي تنوي جهة انتاجية سورية تنفيذه عنه في الشهور القليلة المقبلة؟ الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها، هي أن لا أحد من حيث المبدأ يستطيع انقاذ درويش من المقالات التي تكتفي بتمجيده و «تصنيمه» من خلال مدائح لا طعم لها ولا يمكنها في أحسن الأحوال التفريق بين شعره ونثره، ولا حتى من مسلسل «في حضرة الغياب»، في ما لو قرر أصحابه المضي في مشروعهم حتى النهاية، و تجربة مسلسل «نزار قباني» لا تزال ماثلة في الأذهان. حرّاس محمود درويش كثر في الحالات العادية، وسيزيدون تباعاً مع اقتراب موعد التصوير، وهم يقارعون بالحجة التي تقول إن الممثل الذي ينوي انتاج المسلسل ولعب دور الشاعر فيه غير مؤهل فنياً لذلك، خصوصاً أن درويش يمثل اشكالية. نحن لا نعرف من هي الشخصية التي يمكنها أن تؤدي دور درويش في حال اتفق «الحراس» عليها. فالمشكلة تكمن في مكان آخر، ذلك أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه تلقائياً هو ما إذا كانت الدراما العربية بوضعها الراهن يمكنها التصدي لعمل بهذا الوزن. فإذا كان بوسعها أن تقوم بهذا الدور، فمرحباً بها، واذا لم يكن بوسعها التصدي فنياً وانسانياً وجمالياً لهذه المأثرة الدرامية، فيمكن حينها بشيء من الجرأة والنباهة اضافة المسلسل الدرويشي إلى قائمة المسلسلات الفاشلة، لأنه حينها فقط سنهز رؤوسنا أسفاً، على أموال طائلة هدرت في غير محلها، لكن الأكيد أن مكانة درويش وقامته لن تتأثرا اطلاقاً بهذا الفشل. قد يقول قائل إن التلفزيون يدخل البيوت كلها من دون استئذان، بالتالي، فإن المسلسل قد يشوه صورة درويش. حسناً.. هنا يجيء دور «الحرّاس» في ايقاد الشعلة الشعرية ان استطاعوا القيام بذلك، من دون أخطاء كما حدث معه في ديوانه الأخير الذي صدر بعد رحيله، واقناع هذا الجيل الذي يهدده مسلسل واحد بأهمية الظاهرة الدرويشية. نعم هنا يكمن دور الحراس في الابقاء على جذوة الشعر خالدة بدل الترصد بتجربة قد تقدمه في الصورة التي نحب وقد تفشل تماماً، ذلك أن درويش مثال درامي صعب ومكلف، فقد كان اشكالياً في حياته وفي لغته. أمور كثيرة يمكن أن يتفاداها المسلسل – سلباً أو ايجاباً – ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عنها، فهذا ليس موضوعنا، ولكن هل يمكن للحراس أن يهدأوا قليلاً حين يذهب الشعراء الكبار إلى النوم أيضاً، اذ يمكن أياً منّا أن يلعب دوراً ما.. كأن نحرسهم من هواة الرثاء مثلا، وهم كثر حولنا!