قبل ثلاث سنوات تقريباً كتبتُ مقالة «تشخيصية» لحال المزاج السياسي «المتهور» عند الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، حينما بدأ بإطلاق تصريحات «عنترية»، رافعاً شعارات هجومية تدغدغ شعور من لا يعرف الحقائق، حتى سلّط الإعلام الضوء على أقواله ونيّاته وممارساته. اليوم تبدو صورة نجاد أكثر جلاءً عند الإيرانيين والجيران والآخرين، بعد أن فقد في حملته الانتخابية أصواتاً داخلية إيرانية مهمة، أولُها المؤسسات الدينية، وسهولة اصطياده من منافسيه، حتى اتهموه «علناً» بالديكتاتورية، وممارسة سياسات طائشة، بل إن المرشح المحافظ محسن رضائي، ذهب إلى أبعد من ذلك بإعلانه خشيتَه من مواجهة إيران لمصير «مشابه» للذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. ربما لم تشهد المؤسسات الدينية الإيرانية انقساماً في المواقف حول دعم المرشحين للرئاسة، كما يحصل في الدورة الانتخابية الحالية، فمثلاً «جمعية العلماء المناضلين - روحانيات» الداعمة للتيار الأصولي المحافظ، التزمت الصمتَ عن دعم أي من المرشحين، على رغم إعلان رئيسها الشيخ محمد رضا مهدوي دعمه الشخصي لنجاد. كما أن «الجمعية التدريسية في الحوزة العلمية» في قم، فشلت في تحقيق إجماع على تأييد نجاد، على رغم تأييد أمينها العام محمد يزدي للرئيس الإيراني. لا شك في أن عدم تأييد تلك المؤسستين لنجاد وتزايد وقْع الانتقادات على أداء حكومته، يوضّحان مدى تناقص شعبيته، ولا سيما بعد إعلان أعضاء فيهما التأييد للمرشح مير حسين موسوي، إذ لم يستطع نجاد حتى اليوم كسب ولاء المَراجِع الدينية في قم، في ظل تبايُن الآراء والتوجهات حول المرشحين. في موازاة ذلك، وجد موسوي تأييداً من «جماعة العلماء المناضلين - روحانيون» الإصلاحية و «جمعية التدريسيين» الإصلاحية في الحوزة العلمية. في إيران تشتد حُمّى الانتخابات مع اقتراب الموعد المحدد لفتح صناديق الاقتراع أمام الناخبين في 12 من الشهر الجاري، حتى إن السلطات الإيرانية التي يتزعمها نجاد في الوقت الحالي قررت - بحسب إفادة وكالة أنباء إيرانية مقربة من الإصلاحيين - منع الدخول إلى موقع «فايسبوك»، ل «قهقرة» تقدم موسوي بعد أن نجح مؤيدوه في استخدامه في حملته الانتخابية. نجاد لم يعد يملك في الرد على منافسيه سوى اتهامهم بأنهم يشنُّون حملة «أكاذيب» ضده، بانتقاداتهم للسياسة الاقتصادية لحكومته، بعد أن كشفوا عن معدلات تضخم كبيرة وأرقام بطالة عالية تعاني منها البلاد، بعد أن تفرّغ لدعم حركات وأحزاب خارجة على قوانين بلدانها، وعطّل الداخل من دون بناء للإنسان. أكثر ما لفت نظري ما ورد على لسان موسوي بأن نجاد «ألحق العار بالبلاد على الساحة الدولية وأنه عرّض مكانتها للخطر، باتّباعه سياسات طائشة»، مشدداً على أن سياسات نجاد سبّبت للبلاد «توتراً واضطراباً وعدم ثقة». بل أضيف إليه أن نجاد خلق بُؤَر توتر في المنطقة في اليمن وفلسطين ولبنان والعراق، وهذا ما جعل كل جيرانه يتوجّسون قلقاً من نياته، جرّاء ممارساته بعد أن تدخل في شؤون الآخرين وتحدث بما لا يليق ضدهم. في الانتخابات، يعذر كل مرشح طامع في تسنُّم عرش السلطة في كشف الحقائق عن المنافس الآخر، وتوجيه الانتقادات إليه، إضافة إلى ما يرفعه من وعود وشعارات لناخبيه من شأنها أن تحقق كسب المعركة الانتخابية لمصلحته. في عهد الرئيس السابق الإصلاحي محمد خاتمي، تمكنت إيران من بناء علاقات تقارب مع جيرانها، وإن وضعتها آنذاك الولاياتالمتحدة على قائمة «محور الشر». ربما يفوز الإصلاحي موسوي، لكن ماذا سيتغير؟ هل يصنع نهجاً سياسياً إيرانياً جديداً يعيد الثقة إلى علاقات إيران مع جيرانها والمجتمع الدولي عبر الابتعاد عن دعم ميليشيات وحركات مسلحة خارجة على القوانين، وتبتعد طهران عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى؟ هل ينسف موسوي سياسة نجاد «المأزومة» التي قال إنه «مارس ديكتاتورية أضرّت بالبلاد، وعرّضت الإيرانيين إلى الإهانة في العالم»؟ ربما، لكنني أشك في ذلك، في ظل وجود نظرة خليجية تقابلها أخرى إيرانية يشوبهما شك وريبة وعدم ثقة. الأكيد أن الرئيس المقبل أياً كان سيكون أفضل حالاً من نجاد.