عاد اسم ضابط الصاعقة المطرود من الجيش المصري هشام عشماوي، إلى واجهة الأحداث في أعقاب «معركة الواحات» بين قوات أمنية ومسلحين متطرفين في «الواحات البحرية»، التي قُتل فيها 16 ضابطاً وجندياً، وقتل وجُرح 15 مُسلحاً منتصف الشهر الجاري. وعزز نأي تنظيم «داعش» بنفسه عن «معركة الواحات» من الترجيحات التي ذهبت إلى مسؤولية جماعة «مرابطون»، التي ينخرط فيه عشماوي وتتبع «القاعدة»، عن تلك المعركة. ورجحت التقديرات الأمنية مسؤولية عشماوي في تلك المعركة، لاستخدام المسلحين فيها لتكتيك عسكري يشبه إلى حد كبير الهجومين اللذين شنهما مسلحون يتبعون عشماوي على مكمن للجيش في واحة الفرافرة في الصحراء الغربية عام 2014، وسقط فيهما ضباط وجنود، فضلاً عن أنه لم يُعرف عن تنظيم «داعش» الدخول في معارك واشتباكات بأسلحة ثقيلة مع قوات الأمن خارج شمال سيناء، لكنه اعتمد إلى حد كبير على الهجمات الانتحارية. والعنصر الحاكم في فرضية تورط عشماوي في الهجوم، عدم تبنيه من «داعش» على رغم ذكر خبر الهجوم في مجلة «النبأ»، الناطقة بلسان التنظيم، منسوباً إلى مصادر أمنية نقلاً عن وسائل إعلام مصرية، وعدم إبرازه ضمن الأخبار التي تخص التنظيم. وعشماوي قاد هجمات مؤلمة اعتمد فيها إلى حد كبير على التخطيط والتكتيكات التي درسها في صفوف قوات الصاعقة في الجيش المصري، وهو شكل تنظيماً متطرفاً ضم عدداً من الضباط المطرودين، ما كان له أثر بالغ في دموية هجماتهم. ووفق معلومات «الحياة»، خدم عشماوي لسنوات في قوات الصاعقة في الجيش المصري، أمضى بعضها في المنطقة الغربية، حيث مركز هجمات تنظيمه، وهو ينحدر من أسرة ثرية تقيم في القاهرة وزوجته أستاذة في إحدى الجامعات المصرية. جُنّد عشماوي للالتحاق بالجماعات المتطرفة من جانب ضابط زامله في الجيش قبل أن يُطرد أيضاً، وهو الضابط طارق أبو العزم الذي يقضي حالياً عقوبة السجن المؤبد في سجن العقرب، بعدما دين في قضية إرهاب متصلة بتنظيم «أنصار بيت المقدس»، الذي اتخذ من جبال شمال سيناء معقلاً لخلاياه وبايع «داعش» في نهاية عام 2014 وغير اسمه إلى «ولاية سيناء». وأُوقف أبو العزم قبل تلك البيعة. وكُشف تطرف هشام عشماوي بعد شجار مع إمام مسجد مجاور لمنزله، رصدته الاستخبارات الحربية، فتم إجراء تحريات مُدققة عن انتماءاته كشفت تطرفه، فطُرد من الجيش، وهو انخرط في التظاهرات والاعتصامات التي نظمها الإسلاميون في أعقاب عزل مرسي، وقبلها في «مليونيات الإسلاميين» في ميدان التحرير إبان حالة عدم الاستقرار السياسي في مصر، ودأب على الانضمام إلى خيام جماعة «التوحيد والجهاد» والتقرب من أنصار «القاعدة» في تلك التظاهرات، ونشأت علاقة بينه وبين القيادي محمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري الذي أطلق من السجن بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) من عام 2011. وتعهد عشماوي وتكفيريون بالعودة إلى «العمل الجهادي» من جديد في أعقاب عزل مرسي في 3 تموز (يوليو) من عام 2013، وهو ضم إلى الخلية التكفيرية التي بايعت «القاعدة»، الضابط وليد بدر، وهو الانتحاري الذي فجر نفسه في سيارة مفخخة استهدفت موكب وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، الذي نجا من محاولة الاغتيال في عام 2013. وبحسب معلومات أمنية، فإن عشماوي صور بنفسه محاولة الاغتيال الفاشلة التي نُشرت على المواقع التكفيرية. وفي تلك الفترة كانت شمال سيناء مركز عمليات مجموعة عشماوي، التي تولى أعضاؤها مناصب قيادية في صفوف تنظيم «أنصار بيت المقدس»، وكان عشماوي زامل في شمال سيناء التكفيري المقتول همام عطية زعيم جماعة «أجناد مصر» التي شنت هجمات في محيط القاهرة بعبوات ناسفة يتم تفجيرها عن بعد، لكن التنظيم تفكك بعد قتل قائده عطية في مداهمة في حي فيصل المكتظ بالسكان جنوبالقاهرة في عام 2015. وانفصل عطية عن متطرفي سيناء وكون تنظيم «أجناد مصر» لشن هجمات في القاهرة، فيما انفصل عشماوي وعدد من التكفيريين الذين يتبعونه عن «أنصار بيت المقدس» في نهاية عام 2014، بعد بيعته ل «داعش»، إذ تمسك عشماوي بالبيعة ل «القاعدة»، وغادر شمال سيناء إلى منطقة الحدود الليبية، وشن هجوميْ الفرافرة. وجُرح برصاصة في قدمه أثناء الهجوم الثاني على المكمن في منتصف عام 2014، وعولج في ليبيا. واستقر في مدينة «درنة» الليبية وتولى التدريبات العسكرية لجماعة «مرابطون»، ولما بدأ نشاط لتنظيم «داعش» في ليبيا، دخل في صراع مع «مرابطون» وصل إلى حد «تكفير» عشماوي واستحلال دمه وطلب قتله. وفر عشماوي من «درنة» بعد النجاحات التي حققها الجيش الليبي في بنغازي، بعدما أدرك مُبكراً أن الجيش في طريقه لحصار «درنة»، وتشير تقديرات مصرية إلى أن عشماوي وجماعته فروا إلى الجنوب الليبي، وأنهم يتنقلون في منطقة الحدود الجنوبية المصرية– الليبية، وفي الجانب الليبي يقيمون معسكرات للتدريب ويسعون للتسلل من الحين للآخر إلى الأراضي المصرية، ويتم إحباط محاولات من قبل القوات المصرية، لكن ربما أخرى نجحت فشكل الإرهابيون بؤرة في «الواحات البحرية» استعداداً لشن هجمات كبرى بالنظر إلى تسليحهم الثقيل غير المعتاد في حوزة الجماعات المتطرفة خارج شمال سيناء. وفر مع عشماوي إلى ليبيا المرجعية الفقهية لجماعة «مرابطون» عمر رفاعي سرور نجل القيادي التكفيري البارز رفاعي سرور تلميذ الأصولي الشهير عبدالمجيد الشاذلي، الذي روج على نطاق واسع أفكار سيد قطب التكفيرية في السجون المصرية. وأصدرت محكمة عسكرية في 11 الجاري حكماً بإعدام عشماوي و13 آخرين شنقاً، بعدما دانتهم بقتل ضباط وجنود مكمن الفرافرة. وبين المحكومين موقوفان والباقون فارون. وعشماوي اتهم في تلك القضية بالتخطيط للهجوم على المكمن، وتدريب العناصر على تنفيذه، والمشاركة في التنفيذ، إذ قاد 14 تكفيرياً استقلوا 4 سيارات دفع رباعي وتسلحوا ببنادق آلية وبنادق قنص وقاذفات «آر بي جي» وأحزمة ناسفة، وقسمهم عشماوي إلى 3 مجموعات، الأولى كُلفت قطع الطريق على قوات التعزيز بزرع عبوات ناسفة قبل موقع المكمن لاستهداف القوات المتوقع وصولها مع بدء الاشتباك، فيما تولت المجموعة الثانية الاشتباك مع قوات المكمن، وترأس عشماوي مجموعة التأمين، وأطلق بنفسه أول رصاصة من بندقية قنص على جندي في برج المراقبة الخاص بالمكمن، لتبدأ مجموعة الاقتحام الاشتباك.