نقل السفير السعودي لدى لبنان علي عسيري الى البطريرك الماروني بشارة الراعي تهنئة وتحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والقيادة السعودية بتوليه السدة البطريركية. وتمنى الراعي خلال لقائه عسيري في بكركي أمس، «دوام الصحة والعافية للعاهل السعودي وان تبقى السعودية حاملة لرسالة الحوار في العالم العربي». وقال عسيري بعد اللقاء: «سعدت بزيارة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وقدمت اليه التهنئة بتوليه السدة البطريركية المارونية، وعبرت له عن التقدير للخطاب الذي ألقاه خلال حفل تنصيبه، وأضاء فيه على مواضيع إيمانية مشتركة بين الديانة المسيحية والديانة الاسلامية، ملاقياً الدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله الى الحوار بين الأديان والحضارات من أجل خير الانسان وبناء عالم أفضل». وأضاف: «عُرف عن البطريركية المارونية والقيادات الروحية الاسلامية والمسيحية دورها الريادي في سبيل مصلحة لبنان ايماناً منها بأن لبنان هو لكل ابنائه، وان عليهم جميعا ان يكونوا عائلة واحدة ليدافعوا عنه، ويعملوا معاً من أجل رفعته وتقدمه، وهذا ما دأب على العمل في سبيله الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير طوال فترة توليه السدة البطريركية مع أشقائه رؤساء الطوائف الاخرى». ورأى «ان ما شهدناه خلال حفل تنصيب البطريرك الراعي من مشاركة شخصيات سياسية وروحية من مختلف الطوائف اللبنانية، أعطى نموذجاً رائعاً عن لبنان الذي نعرف ونحب، لبنان الذي يعيش ابناؤه على رغم اختلاف طوائفهم، في عائلة واحدة، ويتشاركون المناسبات والحياة والمصير». وزاد عسيري: «انني لعلى ثقة تامة بأن البطريرك الراعي، بما عرف عنه من علم وانفتاح وريادة في المسؤوليات الروحية والمواقف الوطنية، سيكون خير خلف لخير سلف، وسيتابع السعي مع اشقائه رؤساء الطوائف الاسلامية والمسيحية والمسؤولين السياسيين من أجل جمع شمل اللبنانيين، وتوحيد كلمتهم، وتحصين لبنان في مواجهة الاخطار التي تحدق بالمنطقة والعبور به الى شاطىء الامان». والتقى الراعي وفداً من كنيسة المشرق الاشورية في لبنان برئاسة الارشمندريت عمانوئيل يوحنا. كما التقى رجل الدين السيد علي فضل الله يرافقه الشيخان علي حلاوي وفؤاد خريس، ومدير جمعية المبرات الخيرية محمد باقر فضل الله ومدير مكتبه هاني عبدالله. والتقى الراعي الشيخ نزيه العريضي ممثلاً الشيخ نصر الدين الغريب، على رأس وفد من مشايخ الطائفة الدرزية، ووفداً من الحزب «الديموقراطي اللبناني» برئاسة النائب طلال ارسلان يرافقه النائب فادي الأعور والقاضي المذهبي الدرزي نزيه إبراهيم ورؤساء بلديات ومخاتير. وهنأ ارسلان في كلمة «اللبنانيين جميعاً بشخصكم المميز بحرصه الصادق على إحلال الوفاق ونشر المحبة والتآخي الصادق بين أبناء البيت اللبناني الواحد». وقال: «أنتم من يعول عليكم للإسهام الحاسم في رأب ما تصدع بين اللبنانيين». وقال: «نأمل في عهدكم الميمون أن يلقى الفقه الفاتيكاني الكريم صدى في لبنان، لأنه يعيد الى الإنسان اعتباره ويصون كرامته، ومن خلال الإنسان يعيد الاعتبار الى السياسة، يهذبها بعد أن سقطت سقوطاً مدوياً مع سقوط الأخلاق وارتفاع سلم القيم المادية». ورد البطريرك الراعي، قائلاً: «كتب أحدهم يوماً أتريد أن تبيد شعباً؟ أقول لك كيف، لا تحاربه ولا تحاول قتله فأنت تحييه. حاول أن تنسيه تاريخه وعندها تقتلعه من جذوره، وأنا أردت في خطابي الأول أن أقول لا يستطيع اللبنانيون أن يعيشوا من دون تاريخ، ولا يستطيع أحد أن يمحي تاريخه فالتاريخ الأساس لأي بنيان كبير، ولبنان بنيان كبير في هذه المنطقة المشرقية وفي وسط الأسرة الدولية لأنه قائم على أساس ثابت ومتين وإن حاول أحد اقتلاع الاساس يعني هدم كل البنيان». مع الدولة المدنية وشدد على «أننا بأمس الحاجة الى أن نجمع الدين والدنيا في دولة مدنية، نحن مع الدولة المدنية التي تحترم الدين والدنيا في دولة مدنية، والتي تحترم الدين وتستلهم الأديان، لا نريد دولة دينية في لبنان فالدين لا يسيس والسياسة لا تدين، لأنه ينبغي الفصل تماماً بين الاثنين لا على الطريقة الغربية، الغرب فصل بين الدين والدولة، لكنه فصل معه أيضاً بين الدولة والله، وكأن الله غير موجود، نحن لا نريد دولة مدنية من هذا النوع تهدم كل القيم الروحية، ولا نريد أيضاً دولة دينية في لبنان، لم تكن يوماً في لبنان هكذا، نريد دولة مدنية تستلهم القيم الدينية والأخلاقية من الله. هذا هو الدين». وأشار الراعي الى «أننا مع كل ما يجري اليوم بالمطالبة بإلغاء الطائفة السياسية، لكن علينا التفاهم على المفاهيم، ماذا نعني بالطائفية السياسية؟ وماذا نعني بإلغائها، وعندما نلغي ما هو البديل؟ هذه عناوين نحن بحاجة إليها فلا يجوز في لبنان أن نتكلم بتعابير غير مفهومة المضامين. لبنان وطن مدني يحترم القيم الدينية وهذه هي المادة التاسعة من الدستور «لبنان بعد الإجلال لله تعالى يحترم كل الديانات» لبنان لم يقر أي دين للدولة ولا يحتكر السلطة السياسية والعسكرية والقضائية لأي طائفة أو مذهب أو دين معين. هذا اللبنان كنز كبير، سمعنا البابا الكبير حبيب الشعوب يوحنا بولس الثاني يقول: «لبنان أكثر من بلد»، يتقاسمون حصصه ويتسابقون على مغانمه، لم يقل هذا، «لبنان أكثر من بلد هو رسالة، نموذج للشرق والغرب أيضاً، للشرق حيث الأنظمة الدينية وللغرب حيث أنظمة علمانية حتى العداء مع الله، هذا اللبنان يحمل دوراً أساسياً، أي الجسر بين الشرق والغرب. فتعالوا نحمي هذا اللبناني». وقال الراعي: «نتعلم من الجروح التي مرت. ولا نتوقف عندها، نؤمن بأن الجرح وسيلة للشفاء». وإذ شدد على شعاره «شركة ومحبة»، قال: «نحن لا نستطيع أن نعيش الواحد الى جانب الآخر، فهذا ليس تعايشاً، نريد أن نكون جنباً آخر تربطنا روابط المحبة والإخلاص والصدق والتضامن». اتفقوا على الثوابت تتصالحوا وشدد الراعي خلال مأدبة غداء في بكركي على شرف الإعلاميين المعتمَدين في الصرح، وخلال افتتاح غرفة الصحافة في بكركي، على «الاستمرار في شرعة العمل السياسي في ضوء ثوابت بكركي التي هي ثوابت لبنان السيادة والاستقلال والقرار الحر»، مجدداً القول «ان زيارة سورية تأتي ضمن جولته الراعوية على الأبرشيات في الخارج». وحضر المأدبة البطريرك السابق نصرالله صفير ومطارنة، ومدير المركز الكاثوليكي للاعلام الأب عبدو أبو كسم. وتمنى الراعي في كلمته «التقدم والنجاح لكل الوسائل الإعلامية في لبنان، ليبقى هذا البلد، الذي هو أرض حرية الرأي والتعبير، حاجةً لجميع شعوب الأرض شرقاً وغرباً»، مؤكداً أن «دور بكركي نقل الحقيقة من دون تشويه، لأن دورها خدمة الكلمة التي تبني وتحرر». وأكد «الحاجة لتوجيهات البطريرك صفير وحضوره». ولفت الراعي في كلمته الى ان بكركي «لا تتدخل مع السياسيين في تطبيق ثوابت لا يمكن لبكركي أن تتخلى عنها، وهي سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحر، ولكنها تتحدث معهم في حال لم يتم تطبيقها كما يجب، وتقول لهم لا نقبل بما تقومون به». وشدد على ضرورة «ألا تكون هناك خلافات بين السياسيين. وبالنسبة الى موضوع المصالحة السياسية نحن لا نقول لهم تعالوا لنصالحكم، إنما نقول لهم اتفقوا بعضكم مع بعض، وعندما يتفقون على المبادئ والثوابت عندها تحل كل القضايا». ودعا الى «تشكيل حكومة تكنوقراط يتفق عليها أهل السياسة، في ظل التعثر القائم في عملية التأليف»، مشدداً على انه «لا يجب ان تكون هناك حكومة من لون واحد».