تمارس نوال طقوساً تخلت عنها قبل 22 عاماً، وتجد نفسها «مضطرة» للتشبه بجدتها لتتمكن من إطعام زوجها وأبنائها. واستطاعت نوال التأقلم مع أزمة الغاز المنزلي التي تشهدها العاصمة اليمنية صنعاء هذه الأيام، فكان الفحم حلاً بديلاً، بخاصة أن العائلة غير قادرة على شراء وجبات جاهزة من المطاعم المنتشرة في أحياء العاصمة كما تفعل جارتها الموظفة. ونوال ذات ال38 عاماً ربة منزل فقدت علاقتها بالتعليم منذ كانت في السادس الابتدائي، وهي أم لسبعة أبناء أكبرهم يعتصم في ساحة «التغيير» أمام جامعة صنعاء التي كان طالباً فيها حتى نهاية النصف الأول من عامه الدراسي الثاني في كلية اللغات. تقول: «الغاز معدوم، فماذا نفعل». وتضيف: «رجعنا لعهد جدتي، نشتغل ب «الناره» (الفحم المشتعل)، «أنبوبة» الغاز ب 3 الآف ريال». وعلى رغم عدم تعلمها، إلا أن المرأة تتابع الأخبار وتستطيع تحليل أسباب أزمة الغاز: «أصحاب مأرب الله يسامحهم فجروا أنابيب الغاز وتصدوا للقاطرات، مش هو بسبب الاعتصامات حق الجامعة، ما دخلهم؟»، وتضيف موضحة: «ابني الكبير معتصم معهم». مبخر كبير مصنوع من الفخار، أصبح بديلاً لبوتغاز نوال الحديث، فهو هذه الأيام عامر بالفحم الذي تحرص على تغطيته بالرماد ليبقي على اشتعاله، لكنها على رغم ذلك غير مستعدة للاستمرار في العملية التي تستهلك وقتاً أطول وجهداً أكثر لإعداد الطعام والشاي، تقول: «كل يوم يوقف واحد من عيالي في الطوابير عند المعارض حتى يتعب ويرجع بغير فايدة». تلك الطوابير لا تهملها عينك أمام معارض الشركة اليمنية للغاز المنتشرة في أحياء العاصمة، غير أنها محدودة ويصل اليها الناس بشق الأنفس، بخاصة أولئك الذين يسكنون بعيداً من مركز المدينة، وربما يتكلف أحدهم أكثر من نصف نهاره في انتظار دوره. وفي محاولة لحل أزمة الغاز، قالت الشركة إنها ستبيع للمواطن بصورة مباشرة، وذلك بسعر يصل إلى (1050 ريالاً)، اي حوالى خمسة دولارات لأنبوبة الغاز الواحدة، ولكن ذلك لم يمنع أن يشتريها الناس «مضطرين» بأسعار مرتفعة وصلت إلى 15 دولاراً. وتقول نوال: «جارتي موظفة وبدل التعب صارت تشتري أكلاً من المطعم، أما نحن فلا نستسيغ أكل المطاعم، ولا نقدر عليه كل يوم»، لذلك يضطر زوجها الى الخروج من عمله للبحث عن أنبوبة غاز، وليس أمام أحد ابنائها سوى ترك مدرسته لبضعة أيام وملاحقة معارض الغاز من دون جدوى. أزمة الغاز كانت حتى العام الماضي تأتي مترافقة مع قدوم شهر رمضان المبارك، أو الأعياد، ويلاحظ الناس أن بائعي الغاز المتجولين يختفون قبل هذه المناسبات من الشوارع على رغم وجودهم بكثافة فيها يلحون على الناس للشراء منهم، ما يدفعهم إلى تأمين أنفسهم. إلا أنها هذا العام غيرت توقيتها، فلم ينتبه كثيرون إلى غياب بائعي الغاز من أحيائهم، إلا حين فوجئوا بأزمة لا يبدي أحد في الجهات المعنية تحمل مسؤولياتها، وبخاصة في ظلّ الأحداث التي تعصف باليمن والتي تُحمَّل وزر أي مشكلة تحصل.