على رغم الألقاب التي أحرزها في السنوات الأخيرة، لا يزال برشلونة نادياً "بكائياً" يشكو ليل نهار من "مؤامرات" تُحاك ضده، ليست موجودة سوى في خياله الخصب. وآخر "إنجازاته" في هذا الشأن، مسألة الإيحاء بتنشّط لاعبيه، والتي تعامل معها في شكل هستيري، لم يُبعد عنه الشبهات، بل زادها... وكان الصحافي في إذاعة "كادينا كوبي" خوان أنطونيو ألكالا أعلن قبل نحو أسبوعين أن ريال مدريد سيطلب من الاتحاد الإسباني لكرة القدم تشديد فحوص المنشطات، مشيراً إلى أن نادي العاصمة يعتبر أن ثمة أطباء "مشكوك في سمعتهم" يعملون في برشلونة، لافتاً إلى شبهات حاقت بلقبي الدوري اللذين أحرزهما فالنسيا في موسمي 2001-2002 و2003-2004، بذريعة أنه استعان حينذاك بخدمات الطبيب السيء الذكر أوفيميانو فوينتيس المُتهم في قضايا منشطات. قد يكون ألكالا تخطى خطاً أحمر، إذ لم يقدّر جيداً حجم الحريق الذي أشعله، موجّهاً اتهاماً من دون أدلة إلى برشلونة وفالنسيا. لكنه أدرك ذلك متأخراً، وحاول استدراك الأمر "معتذراً" عن فعلته، كما ورّط ريال مدريد، مؤكداً أن "مصدراً" في النادي سرّب الخبر إليه. لكن رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز نفى ذلك، كما أن المدير العام الرياضي خورخي فالدانو أكد أن أحداً لا يحقّ له التحدّث باسم النادي. فلمَ تصديق ألكالا وتكذيب ريال مدريد؟ أم أن النادي مُذنب حتى تثبت براءته؟ بدل الاستهزاء بتلك الرواية، ووضع نفسه في تصرّف الاتحادين الإسباني والأوروبي للخضوع لأي فحص للمنشطات، في شكل يبدّد أي شكوك، أكد سلوك برشلونة مقولة "يكاد المريب يقول خذوني"! وأعلن النادي الكاتالوني أنه سيقاضي الإذاعة، وريال مدريد إذا ثبت تورّطه، مسرّباً للصحافة أنه سيطالب بمبلغ 50 مليون يورو، أو حتى أكثر، تعويضاً عن "كرامته المهدورة"... ولجمع المال اللازم لضمّ كابتن أرسنال الإنكليزي فرنشيسك فابريغاس والمهاجم الإيطالي لفياريال جيوسيبي روسي! قد يكون برشلونة بريئاً من كلّ هذه الهمروجة، وهو كذلك حتى تثبت إدانته، لكن ردّة فعله المبالغ فيها توحي، ولو عن غير وجه حقّ، بأنه يحاول إخفاء شيء ما، كما أن ما لا يمكن أن يفعله هو توزيع اتهامات في كل اتجاه، علناً وضمنياً، خصوصاً في اتجاه ريال مدريد، حتى أن يوهان كرويف الذي اعتُبر "مرشد" النادي خلال رئاسة جوان لابورتا ولا يزال شخصية نافذة معنوياً، على رغم خلافه مع رئيس برشلونة ساندرو روسيل، لم يتردّد في مطالبة نادي العاصمة ب"اعتذار"! الاعتذار ممّن وعلى ماذا؟ إذا كان فلورنتينو اتصل بروسيل، وهما صديقان منذ سنوات، نافياً تورّط ناديه في المسألة، فكيف يجرؤ كرويف على المطالبة باعتذار؟ لكن صحافة كاتالونيا "وجدت" المذنبيْن، وهما بالطبع فلورنتينو ومدرّب ريال مدريد جوزيه مورينيو اللذين "زيّنت" صورتهما غلافي صحيفتي "إلموندو ديبورتيفو" و"سبورت" الرياضيتين... تُرى، ألا يحق لهما مطالبة الصحيفتين "الصفراوين" ب"اعتذار"، أو حتى رفع دعوى قضائية كما يهدّد برشلونة؟ أم أن "شرف" النادي الكاتالوني أهم من كرامة رئيس ريال مدريد ومدرّبه الذي رأى أن لا منشطات في كرة القدم، مشيراً فقط إلى وجود "حالات معزولة". الواقع أن شبهة برشلونة والمنشطات ليست جديدة، لكنها مجرّد شبهة، ولا يمكن تأكيدها قطعاً، كما لا يمكن اعتبارها اتهاماً، لكن ثمة مؤشرات مريبة جعلت بعضهم يثير شكوكاً في هذا الشأن، خصوصاً بعد فضائح المنشطات التي طاولت رياضيين في إسبانيا، وأحدثت شكوكاً عميقة ومشروعة في أوروبا حول نزاهتهم، وفي الدور الذي يؤديه أطباء في هذا الشأن. آخر "المآثر" الإسبانية، فضيحة تبرئة الدرّاج ألبرتو كونتادور، من تهمة تناول منشطات، بقرار من الاتحاد الإسباني للعبة بعد ضغط من رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، وبعده العدّاء الإسباني من أصل إثيوبي اليمايو بيزابيه. صحيفة "ماركا" الرياضية الصادرة في مدريد، نقلت عن فوينتيس قوله ل"زميل" له في الزنزانة، إن لقبي بطولة العالم وبطولة أوروبا سيُسحبان من منتخب إسبانيا لكرة القدم، "إذا كشف كلّ ما يعرفه". لكنه نفى ذلك. وثمة أيضاً زملاء لفوينتيس مشتبه بهم في المنشطات، مثل خيسوس لوسا وماركوس ماينار وأنطونيو إسكريبانو وسابينو باديّا. كما تجدر الإشارة هنا إلى الوفاة الغامضة للاعبيْ كرة قدم إسبانييْن هما أنطونيو بويرتا من إشبيلية وداني خاركي من إسبانيول برشلونة، واعتزال لاعب ريال مدريد روبن دي لا ريد بعد سقوطه أرضاً مغشياً عليه خلال إحدى المباريات. عاصفة ألكالا أتت بعد كشف "ماركا" "مهزلة" فحص المنشطات للاعبي كرة القدم في إسبانيا، إذ أن فحوص اتحاد اللعبة التي تقتصر على أخذ عيّنات من البول، وليس من الدم، تتمّ في مباراتين فقط كلّ مرحلة، أي تشمل 8 لاعبين من 4 نواد، من أصل 360 لاعباً في الدرجة الأولى. في المقابل، تشمل هذه الفحوص في الدول الأخرى لاعبيْن من كلّ النوادي... والاتحاد الإسباني الذي لا يُجري فحوصاً مفاجئة، يبرّر امتناعه عن إجراء فحص دم، وهو الوحيد الذي يتيح اكتشاف مادة EPO المنشطة، بأن فحوص الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) تكفي... والمفارقة أن الاتحاد الأوروبي يجري كل موسم 1100 فحص منشطات في عيّنات من الدم، أيّ منها ليس في إسبانيا. أما الطبيب "المشكوك في سمعته" الذي يعمل في برشلونة، فهو رامون سيغورا الذي يزوّد اللاعبين "متمّمات غذائية"، تزامنت مع تحسّن لياقتهم البدنية وتفاديهم الإصابة في شكل أفضل. خلال عمل سيغورا في النادي الكاتالوني، ثبت تناول اللاعب الهولندي المعتزل فرانك دوبور منشطات، كما أن سيغورا كان الطبيب الشخصي لمدرّب برشلونة جوسيب غوارديولا، حين كان الأخير لاعباً في نادي بريتشيا الإيطالي، وثبت تناوله مادة منشطة، في مبارتين خلال موسم 2001-2002. وقال غوارديولا حينذاك إنه يتناول منذ 4 سنوات، مزيجاً من الفيتامينات وصفه له سيغورا. يعجب المرء من أقلام تدّعي المعرفة، وتعرض صورة مجتزأة وغير وافية للمسألة، محاولة تبرئة برشلونة بأي ثمن (وهو بريء طبعاً حتى تثبت إدانته)، لكن متجاهلة وقائع وحقائق لا يمكن دحضها، وأقل ما يُقال فيها إنها مثيرة للريبة. فعام 2010، فرض الاتحاد الأوروبي (ويفا) على برشلونة عقوبة بقيمة 30 ألف يورو، لتجنّبه فحصين للمنشطات سعى الاتحاد إلى إجرائهما، وذلك من خلال تغيير موعد التدريب في الحالتين، من دون إبلاغ ال"ويفا" كما تقتضي الأنظمة. وللتذكير فقط، نشير إلى أن لاعب مانشستر يونايتد ومنتخب إنكلترا ريو فرديناند أوقف 8 شهور عام 2004، بعد تخلّفه عن إجراء فحص منشطات... في 23 شباط (فبراير) الماضي، خضع 10 لاعبين من برشلونة لفحص مفاجئ للمنشطات أجراه الاتحاد الأوروبي. لكن قبل يوم واحد من ذاك الفحص، أعلن النادي في شكل مفاجئ إصابة تشافي هرنانديز، وفي اليوم ذاته (23 شباط) أعلن إصابة الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي استعاد عافيته في اليوم التالي! كما وُضع الكابتن كارليس بويول والحارس فكتور فالديز على لائحة المصابين، ولم يجروا الفحص... وخضع النادي الكاتالوني ل5 فحوص مفاجئة للمنشطات خلال موسمين، لكن دائماً خلال فترة الفحوص المعتادة للاتحاد في دوري الأبطال الأوروبي، آخرها في 17 الشهر الجاري. أن يكون ريال مدريد طلب من الاتحاد الإسباني للعبة، بحسب تقرير ألكالا، تشديد فحوص المنشطات، مسألة تستدعي إجماعاً وليس الاستهجان، خصوصاً أن شبهة المنشطات طاولت أيضاً نادي العاصمة، في إطار قضية فوينتيس. ومن حقّ برشلونة الاشتباه بمن يريد في تسريب نبأ المنشطات، وقد يكون ريال مدريد هو المصدر، لكن ردة فعله غير المتّزنة لا تساعده في تأكيد براءته... وكما أن ليس كلّ ما يلمع ذهباً، كذلك يحاول برشلونة إشاعة إنه النادي الأكثر نبلاً وأخلاقية، لكنه "طلّق" التواضع منذ زمن، ويمارس سلوكاً متعجرفاً ومتعالياً بشعاً، لا يراه إلا من يريد أن يرى وألاّ يكتفي فقط بقراءة "الإلياذات الشعرية" التي تُدبّج في مديح "الباب العالي" الكاتالوني، والتي جعلته بشحطة قلم أفضل فريق في تاريخ كرة القدم! وعقدة الدونية التي يعاني منها برشلونة، تتحوّل فجأة إلى "أنا متضخّمة" بحيث يُصبح الجميع مُطالباً بأن يجثو على ركبتيه خاشعاً أمام "فنّ" ميسي ورفاقه، وألاّ يرفع رأسه إلا ليكحّل عينيه ب"السمفونيات" التي يعزفها برشلونة، وأن يردّد في شكل ببغائي ليل نهار أن كرة القدم التي يلعبها النادي الكاتالوني هي وحدها كرة القدم، وأن كلّ أسلوب آخر لا يدخل في قاموس اللعبة الشعبية الأشهر في العالم! ويقدّم برشلونة نفسه بوصفه مصدر إلهام روحي وفلسفي، ومركزاً للقيم الكروية الأكثر نبلاً، لكنه يحظى بشبكة حماية لا سابق لها من الحكام، ورعاية حنون من الاتحاد الإسباني للعبة، تؤكّدها الوقائع خلال السنوات الماضية. يُضاف إلى ذلك تمجيد غوارديولا وتحقير مورينيو، على رغم أن مدرّب برشلونة تصرّف أحياناً في شكل مخجل مع زملاء له، بينهم مدرب فياريال خوان كارلوس غارّيدو ومدرب نادي كوبنهاغن النروجي ستالي سولباكِن، مُدلياً أحياناً كثيرة بتصريحات تبدو أشبه بفحيح أفعى!