تلتزم الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر بحسب الدستور ببدء إجراءات انتخابات الرئاسة قبل شباط (فبراير) المقبل، على الأقل بإعلان الجدول الزمني لتلك الانتخابات التي تشير كل المعطيات إلى أنها «محسومة سلفاً» لمصلحة الرئيس عبدالفتاح السيسي. لكن اللافت الصمت الذي يسود الساحة السياسية في بلد مُقبل على استحقاق رئاسي، في وقت دأب معارضو الرئيس على انتقاد أي قرار يصدره أو مشروع يتبناه، ليثور السؤال: «لماذا لا تطرح تلك المعارضة البديل إن كانت مقتنعة بصدق حديثها عن الغضب الشعبي من السياسات الحالية؟». ومع بقاء ثلاثة أشهر قبل انطلاق «الماراثون الرئاسي» لم يُصرح أي حزب ولا تيار سياسي ولا شخصية عامة، باعتزامه خوض الانتخابات، علماً أن الدستور يشترط لقبول الترشح أن يزكي المترشح عشرون عضواً على الأقل من أعضاء مجلس النواب (البرلمان)، أو أن يؤيده ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، على أن يؤيده ألف ناخب على الأقل من كل محافظة منها. هذا الشرط يتطلب بالضرورة عملاً ميدانياً ضخماً وطرحاً للأفكار وقبل كل هذا إعلان الرغبة في الترشح، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة، ولا توجد ثمة مؤشرات أو ترتيبات على إمكان حصوله، فلا توجد أي أحزاب حددت حتى موعد لإعلان موقفها من انتخابات الرئاسة، إلا حزب «الحركة الوطنية»، الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق، حدد كانون الثاني (يناير) المقبل موعداً لعقد مؤتمر عام لأعضائه لاتخاذ قرار بخصوص تلك الانتخابات. لكن حتى الآن يُقيم الفريق شفيق في الإمارات، على رغم انتهاء ملاحقته قضائياً في دعاوى عدة، ويسود غموض حتى حول عودته إلى مصر. ويبدو أن المعارضة المصرية تعلم كما المواطن العادي أن الانتخابات المقبلة محسومة للرئيس السيسي، لكنها تختلف مع الحُكم في أسباب هذا الحسم، فالموالاة ترى أن الشعب مقتنع بقدرة الرئيس على تغيير واقع البلاد، مع حصد مكاسب المشروعات القومية التي أسسها وشارفت على التشغيل، لذا تتوارى منافسته على كُرسي الحكم، أما المعارضة فتعزو خلو الساحة من المنافسين إلى «تأميم المجال العام والتقييد على أي أصوات معارضة والتنكيل بها، ما يحد من فرص المنافسة في الانتخابات المرتقبة». وقال الأمين العام لحزب «تيار الكرامة» الدكتور محمد بسيوني ل «الحياة»، إن «انغلاقاً للمجال السياسي سبب هذه الحالة من الهدوء قبل الاستحقاق المهم. نطالب بفتح المجال السياسي لإجراء الانتخابات، لكن الوضع حتى الآن لا ينبئ بوجود انتخابات، فلا أحد يستطيع أن يدعو لانتخابه أو عقد مؤتمرات شعبية ومن يعلن نيته الترشح تتم ملاحقته، وهذا مناخ لا يؤدي إلى مجرد التفكير في خوض الانتخابات أو الترشح، فمن سيترشح كمن يُلقي بنفسه وأنصاره إلى التهلكة»، مضيفاً: «نحن في التيار الديموقراطي (الذي يضم عدة أحزاب يسارية وليبيرالية) نطالب بضمانات قبل التفكير في طرح مرشح». وتصدر المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي بورصة ترشيحات «تيار الكرامة» قبل أن يجزم بأنه لن يخوض الانتخابات المقبلة. وقال بسيوني: «نسعى لتوسيع المجال السياسي، فالانتخابات ليست منعزلة عن هذا المجال، وإذا بقت الأمور على ما هي عليه لن تجد مرشحين، وعلى السلطة في هذه الحالة إيجاد مرشح شكلي في الغالب سيكون من مؤيديها لاستكمال الصورة... هناك أحزاب تبحث الآن تجميد عملها وليس طرح مرشح في الانتخابات». وأوضح أن «التيار يجتمع بصورة مستمرة مع أحزاب وشخصيات مستقلة وطنية، لبحث كيفية فتح المجال العام للعمل السياسي أولاً قبل خوض الانتخابات. السلطة صادرت الإعلام الحكومي والإعلام الخاص يملكه رجال أعمال موالون لها والأصوات المستقلة داخل الإعلام مُنعت ومن يدعو لأي حراك يتم توقيفه... يجب أولاً تحديد قواعد اللعبة قبل خوضها، وتلك القواعد لا تسمح بالمنافسة». واتفق البرلماني السابق محمد أنور السادات مع بسيوني، لكنه انتقد الأحزاب السياسية «الصامتة» حتى الآن عن اتخاذ أي قرار بخصوص انتخابات الرئاسة. والسادات، وهو نجل شقيق الرئيس السابق، عضو سابق في البرلمان الذي أسقط عضويته في شباط (فبراير) الماضي، بسبب تقرير أعدته لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ذكر أنه أرسل بيانات عدة إلى جهات ومنظمات أجنبية تتناول أوضاعاً داخلية للبرلمان المصري من شأنها الحط من قدر المجلس وصورته. وكان طلب «ضمانات» رأى ضرورة توافرها قبل خوض انتخابات الرئاسة المقررة منتصف العام المقبل، ضمنها في خطاب أرسله لرئيس الهيئة الوطنية للانتخابات المستشار لاشين إبراهيم الشهر الجاري. وقال السادات ل «الحياة»: «ما زلت في انتظار رد من الهيئة الوطنية للانتخابات بخصوص ضرورة توفير المناخ المواتي لخوض الانتخابات. سنعيد إرسال خطاب الأسبوع المقبل إلى الهيئة لطلب رد على الخطوات التي تم إنجازها بخصوص الضمانات التي طالبت بها»، مضيفاً: «الأمور في حاجة إلى توضيح قبل اتخاذ قرار. البدايات غير مبشرة وإذا استمر الحال على ما هو عليه لن أخوض الانتخابات لأني لأن أكون مجرد صورة لاستكمال مشهد مطلوب، لن أخوض معركة غير محسوبة». واستغرب السادات «غياب مواقف القوى والأحزاب السياسية إزاء الانتخابات الرئاسية». وسأل: «هل أُغلقت الأحزاب السياسية في مصر؟... هذا شيء مُحبط»، مضيفاً: «لا قوى سياسية ناقشتني حتى الآن في موضوع انتخابات الرئاسة. ألتقي قيادات حزبية ونجتمع ونناقش أموراً عدة إلا انتخابات الرئاسة لا أحد يسعى للحديث عنها».