لم تتعرض الفضائيات العربية، من قبل، لمثل هذا الهجوم العنيف، كما تتعرض له في هذه الأيام حيث الثورات مشتعلة، بينما هي تلاحق الأحداث المتسارعة والمتحولة في سبيل رسم صورة موضوعية لما يجري. اتهامات بالجملة تصدر من هذا الطرف أو ذاك، تتهم القنوات الفضائية بالانحياز وعدم توخي الدقة في نقل الوقائع، وتضخيم الأحداث، بل و «التجييش الإعلامي المغرض». والحال أن هذه الاتهامات والمزاعم تكررت مراراً في الشهور الأخيرة في وقت كانت فيه أركان «النظام» تتقوض فيما بدا أن شيئاً لم يكن ليوقف سيل الاتهامات هذه إلا سقوط النظام. المشكلة أن «الجوقة الرسمية» لم تخجل عندما دُحضت مزاعمها بالبرهان الساطع، كما أن أصحاب الاتهامات الذين يتكاثرون وينتشرون حيثما انتشرت الثورات، يرددون المزاعم ذاتها من دون أن يتعظوا من تجارب طازجة في الذاكرة. هذا الضجيج المفتعل حول «أجندات الفضائيات»، وحول «سلوكها المشاغب والمشاكس» المتصل طبعاً ب «نظرية المؤامرة» المريحة والمعطلة للذهنية العربية عن التفكير والمحاججة، يجبر، غالباً، مقدمي البرامج ونشرات الأخبار في الفضائيات العربية على تكريس جزء من اللقاء مع أحد الضيوف حول هذه القضية المستجدة في الفضاء العربي. أي ضيف يطل على الشاشة لا بد ان يثير قضايا إعلامية لا علاقة مباشرة لها بالموضوع المطروح، فيضطر المذيع إلى التدخل كما فعلت، مثلاً، الإعلامية في قناة «العربية» نجوى قاسم حين خاطبت أحد ضيوفها متسائلة: لماذا، دائماً، توجهون الاتهام للإعلام الذي يسعى إلى نقل الحقائق؟ فردّ الضيف بأن «الإعلام يضخم حيناً ويقلل حيناً آخر»، لكنه نسي العراقيل والصعوبات الهائلة التي توضع في وجه الإعلام وتعوقه عن نقل الصورة الصحيحة، وهو ما أشارت إليه قاسم حين عبرت عن أمنية الفضائيات في أن تسمح السلطات بنقل الأحداث وتصويرها من دون ضغوط أو قيود. وبما أن واقع الحال يؤكد أن الفضائيات محارَبة فلا يبقى أمامها سوى اللجوء إلى صور الهواة على مواقع مثل «يوتيوب» وغيره. مثل هذا الالتباس يعيد إلى الأذهان مقولة لها دلالة في هذا السياق تفيد بأن «ناقل الكفر ليس بكافر»، بيد أن الأصوات الرسمية تصر على إسكات صوت الفضائيات وتسعى إلى تدجينها، مثلما برعت في قمع شعوبها لعقود، ومثلما فعلت مع إعلامها الموجه الذي استمرأ التضليل زمناً طويلاً حتى بات عاجزاً عن القيام بأي دور إعلامي لافت يدعم مواقع أصحابه ومالكيه. هذا الإعلام الرسمي غدا، بالأحرى، عبئاً ثقيلاً على الأنظمة التي رعته واعتنت به بسخاء. لكن سرعان ما ظهر الإخفاق على الشاشة التي بالغت في مدح «الرئيس» والإشادة بإنجازاته وانتصاراته، لتسقط عند أول امتحان، فالصورة الزاهية ل «الرئيس الأسطورة»، بهتت تماماً، بينما لاذ هو بملجأ آمن ليترك تلفزيونه الرسمي حائراً في كيفية التخلص من أرشيف ضخم من الكذب والتضليل.