تواصل الحكومة العراقية سعيها إلى استعادة السيطرة على إدارة النفط في المناطق المتنازع عليها، وإبعاد الأكراد منها بتعاون تركي، قبل البدء بالمفاوضات مع أربيل، فيما يُعد مسؤولون في كردستان الأجواء لخروج هادئ لرئيس الإقليم مسعود بارزاني مطلع الشهر المقبل بعد انتهاء ولايته. وقربت الأزمة التي فجرها استفتاء الأكراد على الانفصال في 25 الشهر الماضي، بين بغدادوأنقرة، وطرح رئيس الحكومة حيدر العبادي خلال زيارته تركيا أمس، إلغاء الصفقات الثنائية التي أبرمتها تركيا مع كردستان لنقل وتصدير نفط الإقليم والمناطق المتنازع عليها عبر أراضيها، وإعادة الملف كله إلى شركة «سومو» الحكومية. وفيما أعلن «الحشد الشعبي» و «التحالف الوطني» الشيعي تحفظهما عن اقتراح الأكراد تجميد نتائج الاستفتاء على الانفصال، ووقف العمليات العسكرية، ثم الدخول في مفاوضات مع بغداد، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن العبادي قوله، إنه «مستعد لنزع سلاح الفصائل الشيعية التي ترفض الرضوخ لسلطة الدولة». وشملت اتصالات العبادي شركات النفط التي تعاقد معها الأكراد، لتغيير عقودها وإعادة جدولة ديونها مقابل استمرارها في العمل، فيما استمر الجيش في نشر قواته لحماية الحقول التي تشكل حزاماً عملاقاً حول المناطق المتنازع عليها، بدءاً من خانقين في ديالى شرقاً، وصولاً إلى مخمور وزمار في نينوى شمالاً، مروراً بكركوك. وقال العبادي للرئيس رجب طيب أردوغان، في إشارة إلى الاستفتاء الكردي، على ما أفاد مكتبه في بيان: «كان هناك مشروع لتفكيك المنطقة وليس العراق وحده، عندما أرادوا (الأكراد) إقامة حدود دولة بالدم، ونحن على رغم كل ذلك لم نقاتل شعبنا الكردي وأمرنا بعدم المواجهة، وظننا حسناً بالبيشمركة ودعوناها إلى عدم القتال واستجابت». وأضاف: «نحن ماضون في بسط السلطة الاتحادية، ومن واجبي حفظ وحدة العراق وسيادته وحماية ثروته». في المقابل، أكد أردوغان أن أنقرة «ترغب في تعزيز العلاقات مع العراق ودعم خطواته في مواجهة تداعيات الاستفتاء وتوحيد البلاد وفرض سلطة الدولة بقواتها وإرادتها الوطنية»، مؤكداً «التعامل المباشر مع الحكومة». ونجح العبادي، الذي أعلن نيته زيارة إيران في ختام جولة إقليمية شملت حتى الآن المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وتركيا، في إدارة أزمة الاستفتاء الكردي وحشد تأييد دول المنطقة، إضافة إلى الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي، ما دفع حكومة إقليم كردستان أمس إلى إصدار بيان يعرض تجميد نتائج الاستفتاء ووقف العمليات العسكرية وبدء حوار على أساس الدستور العراقي، في بادرة هي الأولى في هذا الاتجاه. لكن المزاج السياسي في بغداد لا يبدو مستعداً للحوار مع كردستان استجابة ل «تجميد» نتائج الاستفتاء فقط، بل هناك مطالبة قوية ب «إلغائها»، وهو الشرط الذي يمكن حكومة الإقليم تلبيته مطلع الشهر المقبل، موعد نهاية الولاية الثالثة لبارزاني. ويتداول الأكراد اقتراحاً لتنحّيه وتولي حكومة الإقليم صلاحيات الرئاسة، وتمديد ولاية البرلمان المحلي ثمانية شهور، ما يتيح اتخاذ قرارات أكثر جرأة وإلغاء نتائج الاستفتاء، أو الاحتكام إلى المحكمة الاتحادية لإلغائها. وأكدت مصادر سياسية كردية ل «الحياة» أن حكومة الإقليم التي يرأسها نيجيرفان بارزاني، وهو الأقل حماسة في العائلة للاستفتاء، «تحاول تقليل الخسائر»، وأن «قناعة باتت سائدة في الأوساط الحزبية القريبة بضرورة التحرك العاجل لتجنب خسارة المكتسبات التي تحققت منذ عام 1991، عندما خرج الإقليم من سلطة النظام السابق وأصبح تحت وصاية الأممالمتحدة، خصوصاً أن هناك خطراً لعودة الإقليم إلى الانقسام بين إدارتي السليمانية وأربيل».