تواصل قوات الأمن المصرية عملياتها في الصحراء الغربية، لمطاردة المسلحين المتورطين في اشتباكات الواحات البحرية (350 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة) التي سقط فيها 16 ضابطاً وجندياً من قوات النخبة في وزارة الداخلية، وقُتل وجُرح 15 مسلحاً متطرفاً. وداهمت القوات كهوفاً ومغارات في المنطقة. الاشتباكات التي جرت الجمعة الماضية قبل وصول قوات الأمن إلى موقع مداهمة البؤرة الإرهابية، لم يتبنها حتى الآن أي فصيل متطرف، ما عزاه عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب خالد عكاشة إلى مواصلة المطاردات والملاحقات حتى الآن. ويوضح عكاشة، الذي عمل على مدى سنوات في جهاز الأمن الوطني، منها 10 سنوات ضمن قوات مكافحة الإرهاب في الجهاز، أمضى بعضها في الصحراء الغربية، أن الطبيعة الجغرافية الوعرة في تلك المنطقة تغيب عن أذهان كثيرين لدى تحليل الهجوم وتداعياته. وقال ل «الحياة» إن «الملاحقات ما زالت مستمرة حتى هذه اللحظة، لكن ما يجب الالتفات إليه أن ما يُقال في جملة يحتاج عملاً ضخماً لتنفيذه. فمثلاً، الحديث عن تطويق مناطق صحراوية لمنع فرار المتطرفين إلى ليبيا، أمر في غاية الصعوبة، ويحتاج إلى الدفع بقوات كبيرة وعمل متكامل تشارك فيه قوات من أجهزة مختلفة». وأشار إلى أن المؤكد حتى اللحظة أن معسكر الإرهابيين في «الواحات البحرية» امتداد لمجموعات متطرفة في ليبيا، على الأرجح مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وتحديداً جماعة «مرابطون» التي ينخرط فيها ضابط الجيش السابق هشام عشماوي. وأوضح أن تلك الفرضية مُرجحة لأن الاشتباكات استخدم فيها «التكتيك العسكري» ذاته الذي اتبعه عشماوي في هجومين متتابعين على مكمن للجيش في منطقة الفرافرة في الصحراء الغربية عام 2014. وقال مصدر مطلع على التحقيقات ل «الحياة» إن شهادات الناجين من الهجوم أفادت بأن عرباً كانوا بين المسلحين، لافتاً إلى أن لهجة الإرهابيين دلت على أن بينهم مواطنين من المغرب العربي، وعلى الأرجح من تونس. ولم يستبعد عكاشة تلك المعلومات. وقال إن «القاعدة في ليبيا تضم مزيجاً من المتطرفين من مختلف الجنسيات، وهذا أمر غير مستبعد على الإطلاق وليس مثيراً للاستغراب، على العكس هو متوقع إلى درجة كبيرة». وأشار عكاشة إلى أن تلك المجموعة ليست منشغلة الآن بتبني العملية أو نشر تفاصيل عنها، قدر انشغالها بالانسحاب إلى ملاذ آمن سيكون في الأراضي الليبية للفرار من الملاحقات الحاصلة حالياً. وأضاف أن أجهزة الأمن وضعت «سيناريوات متوقعة لمسارات فرار المسلحين وتم نصب مكامن ثابتة فيها، وسط مداهمات تنفذها قوات متخصصة لمحيط تلك المسارات، بما في ذلك الكهوف الجبلية والمغارات، ومسح السفوح والوديان، وتفتيش المزارع ونشر المخبرين السريين، والتعاون مع السكان المحليين في هذا الصدد». ولفت إلى أن «هناك ضابطاً ما زال مفقوداً، وعلى الأرجح خطفه المسلحون وتسعى الأجهزة المختلفة إلى إنقاذه، وعدم منح المتطرفين فرصة للإفلات به خارج الحدود (في إشارة إلى نقيب الشرطة محمد الحايس)». ولفت إلى أن «السيناريو الأول في عقل الأجهزة الأمنية أن المتطرفين يسعون إلى الفرار إلى ليبيا، لكن مع تضييق سبل الوصول إلى الحدود ونظراً للطبيعة الجغرافية الصعبة في الصحراء الغربية، ربما يلجأ المسلحون إلى الفرار داخل الأراضي المصرية باتجاه الجبل الجنوبي الغربي، خصوصاً في ظل عدم استبعاد وجود خلايا كامنة في الظهير الصحراوي الغربي لمحافظات الصعيد، بعدما تصفية عدد من تلك البؤر». وتابع أن «هذا التصور أيضا لا يغيب عن العقل الأمني، إضافةً إلى عمل يُجرى لقطع الطريق عليهم ومنعهم من الوصول إلى الجبل الجنوبي». وأوضح عكاشة أن أجهزة الأمن في تلك اللحظة غير منشغلة إلا بتوقيف العنصر المتطرف ووضع اليد على السلاح الذي استخدمه، من أجل تقديم تلك الأدلة إلى الأجهزة القضائية للتصرف فيها. وكثفت أجهزة الأمن من المكامن المنتشرة عند مداخل الطرق المؤدية من وإلى سلسلة جبال البحر الأحمر، والجبل الغربي من المنيا (جنوبالقاهرة) وحتى أسوان في جنوب مصر، إلى جانب تنفيذ عمليات دهم للأماكن التي يشتبه في تحصن عناصر إرهابية فيها، بالتزامن مع الحصار المفروض على منطقة «الواحات البحرية» في الجيزة والطرق المؤدية منها إلى صحراء الوادي الجديد. وتقوم طائرات حربية بعمليات تمشيط واسعة للجبل الغربي وسلسلة الجبال الواصلة بين الوادي الجديد وأسوان والأقصر، لمراقبة أي تحركات مشبوهة. وفي محافظتي قناوالبحر الأحمر، واصلت مجموعات قتالية تمشيط ومداهمة المناطق الجبلية المتاخمة لمدن المحافظتين. وفي الأقصر، جرت عمليات تمشيط لكل المناطق الجبلية وتم تعزيز قوات الشرطة في الطرق الصحراوية، خصوصاً المثلث الواقع ما بين جبل «الرزيقات» وطريقي أسوان والوادي الجديد. وفي المنيا وأسيوط وسوهاج، تواصلت عمليات الحصار لكل مداخل ومخارج الجبل الغربي الذي تتفرع منه طرق جبلية تربطه بالأراضي الليبية. وزار رئيس الوزراء شريف إسماعيل أمس، محافظة الأقصر واطلع على الخطة الأمنية لحمايتها، خصوصاً مزاراتها السياحية. في غضون ذلك، أمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبس 12 متهماً في خلية «طلائع حسم»، لمدة 15 يوماً. واتهمتهم النيابة ب «الانضمام لجماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام القانون والدستور والتخطيط لتنفيذ سلسلة من الاغتيالات تستهدف رجال الشرطة والشخصيات العامة، وتنفيذ عدد من التفجيرات في المنطقة المركزية والمحافظات القريبة منها». وفي سيناء، جُرح جندي وطفل بطلقات نارية مجهولة المصدر في مدينة رفح في شمال سيناء.