منذ زمن ليس ببعيد، زمن الحضارة البسيطة، وللآن في البادية وفي الريف وفي المدن الصغيرة التي لم تغزها بعد جنون الثورة التكنولوجية، كانت وما زالت بعض النساء يعشن أحلاماً واضحة لذيذة وصغيرة، تنضج الفتاة تتزوج تنجب أطفالاً ترضي نفسها برعاية الزوج ومساعدته والاهتمام بشؤون البيت والأطفال، فلا يوجد هناك تداخل في الوظائف الأسرية كالذي يوجد اليوم، «خصوصاً في المدن الكبيرة»، المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل في زراعة الأرض وفلاحتها وحتى في رعي الماشية، فهي لا تعيش حياة جامدة وليس لديها الوقت للتذمر والملل، الزواج والامومة يؤكدان لها أنوثتها وعاطفتها، والآن معظم النساء في هذا العالم الواسع أصبح هدفهن أولاً العمل الذي يرضي شخصية المرأة ويؤكد لها حريتها ومن ثم الزواج! عندما يأتي الزواج تجد المرأة نفسها امام مسؤوليتين لا بد فيهما ان توفق بينهما، بدورها كامرأة عاملة تحلم بالترقية والتقدم في مجال عملها، وبدورها في الحياة الأسرية كزوجة وام ناجحة، وهنا يذوب الحلم في الحرية التي كانت تمر في خيالها من قبل، كثير من الفتيات يحلمن بأن يتعلمن لتهرب الواحدة مهن من قيود السيطرة العائلية وتحلم أيضاً بالزواج كفرصة للتعبير عن ذاتها، ولكنها تفاجأ عندما تصل للعمل والزواج معاً، إذ تجد نفسها امام مشروعين متعارضين يسببان لها الإرهاق والاضطراب، والنتيجة ملامح الشقاء التي نجدها على معظم الوجوه. المهم إذا سئلت المرأة العاملة وغير العاملة عن الألم المشترك الذي تعاني منه السيدات في مجتمعنا لوجدن أنه احساس المرأة بالانعزال وافتقارها لبند الترفيه عن النفس وللحياة والنشاطات الاجتماعية، فهي تشعر بأنها آلة تدور كل يوم في مواعيد محددة ووظائف محددة ومسؤوليات لا تنتهي، مما يصيبها بالملل والشكوى والشعور بالعزلة والسجن «سجن اسمه الوحدة»، فيخيم الحزن على قلبها وينتابها الشعور بأنها محاصرة ضمن التزامات وتنفيذ وصايا الحب المتفاني للزوج وللأبناء، لحد الاحساس بالعزلة وسط جزيرة من المسؤوليات، وفي هذا الوضع المأسوي تستنفذ طاقات المرأة وتصبح عصبية المزاج، سريعة الغضب، كثيرة الشكوى، دائماً تئن متذمرة من حالتها ونصيبها في الحياة، لا امل لها الا بالمشكلات والصعوبات ما يفقدها القدرة على تأمين الجو الروحي والنفسي في البيت، إذ يجب أن يسود التسامح واللطف والحنو والمحبة. كل امرأة، سواء كانت عاملة ام غير عاملة، لسان حالها يؤكد حاجتها لواقع مادي وذاتي يمنحها الترفيه عن النفس، ويجدد لديها النشاط والاقبال على الحياة العملية والأسرية لتكون أماً قانعة راضية داخلياً، لا تكسب أطفالها فقط نعمة الصحة بل تجعلهم سعداء مستعدين أن يشغلوا مراكزهم اللائقة في الحياة مستقبلاً، لذا السيدة في مجتمعنا، سواء أكانت أم أو زوجة عاملة أو غير عاملة، في حاجة لوجود الجمعيات النسائية ليتسنى لها ممارسة النشاطات الاجتماعية والمشاركة والتواصل مع فئات المجتمع «رعاية المسنين، مساعدة المرضى، وفي دور الأيتام»، كذلك تحتاج الأم والطفل معاً لحدائق عامة لائقة منسقة بالخضرة والأشجار والزهور تضم ملاعب للأطفال لقضاء وقت مع الأبناء يزيل الهموم والملل... أخيراً مهما كانت محدودية دخل الأسرة فمن المفيد والضروري تحديد بند في الموازنة يخصص للترفيه في يوم الاجازة، فلا يخفى على احد إلا على كل جاهل أن الصحة العائلية والسعادة البيتية تنشأ أصلاً من أمهات صحيحات سعيدات، يملكن القدرة والتوق لتربية الأبناء تربية صحية سليمة سعيدة... إن حياة الامة تتوقف على صحة شبابها وحيويتهم.