أجدابيا (ليبيا)، طرابلس، بنغازي، بيروت، الجزائر، أنقرة - رويترز، أ ف ب - رقص المعارضون المسلحون في ليبيا فوق حطام الدبابات الحكومية الليبية وقدموا للأهالي الخبز والماء أمس السبت بعدما استعادوا بلدة أجدابيا وهي بوابة الشرق الليبي التي تحولت إلى مدينة أشباح بعد قتال دام أياماً. وواصل المتمردون تقدمهم لاحقاً نحو الغرب واستعادوا السيطرة على مدينة البريقة النفطية، فيما أكدت صحافية ترافقهم أن الثوار موجودون في وسط المدينة الواقعة على بعد 80 كلم غرب أجدابيا (شرق). كما قالت مصادر اخرى انهم وصلوا مساء الى راس لانوف. وقال أحد المتمردين ويدعى عبد السلام المعداني في اتصال هاتفي مع «فرانس برس»: «نحن في وسط البريقة». وأضاف إن «قوات (معمر) القذافي انسحبت ويبدو أن بعضها يتمركز في منطقة البشر (30 كلم غرب البريقة)». لكن مسؤولاً عسكرياً في الثوار قال إنهم على أطراف البريقة وليس في وسطها. وأظهرت جثث متحللة لأكثر من 12 من مقاتلي الزعيم الليبي معمر القذافي وحطام المدفعية عند مدخل بلدة اجدابيا أن القتال كان شرساً. ولكن في وسط المدينة لم يكن هناك أثر يذكر للدمار وبدأ عدد قليل من السكان الذين لم ينزحوا من البلدة يخرجون من منازلهم التي بدت عليها آثار أعيرة نارية كثيفة. وأغلقت المتاجر أبوابها وخلت الشوارع تقريباً بينما كان مقاتلو المعارضة يجوبون بسيارات نقل صغيرة مطلقين النار في الهواء. وصاح أحد مقاتلي المعارضة «شكراً يا بريطانيا شكراً يا فرنسا شكراً يا أميركا»، مشيراً إلى الضربات الجوية التي نفذها التحالف الدولي بتفويض من الأممالمتحدة. وقال المقاتل سرحق عقوري إن القتال استمر طوال الليل. وأضاف: «أجدابيا مدينة أشباح. الآن ليس هناك سوى جثث الموتى والأسر التي لا تدري ماذا تفعل». وأكد وكيل وزارة الخارجية الليبي خالد الكعيم السبت أن قوات القذافي انسحبت من مدينة اجدابيا، مؤكداً أنها «ستعود» إليها. وفي تصريح صحافي مقتضب أعلن خالد الكعيم أن أعضاء الائتلاف العسكري «شنوا هجوماً قوياً فقررت القوات المسلحة الليبية مغادرة اجدابيا هذا الصباح». وأضاف «انه انسحاب، وستعود قواتنا إلى اجدابيا». وقال مسؤول في مستشفى في شرق ليبيا إن من الصعب معرفة كم من الناس قد قتلوا في معركة اجدابيا حيث يبحث الأهالي عن جثث خارج البلدة. لكن وكالة «فرانس برس» نقلت عن مصدر طبي إنه تم العثور على 21 جثة لمقاتلين من قوات القذافي في الصحراء قرب اجدابيا. وأكد أسامة القصي في مستشفى الهواري في بنغازي انه عثر على الجثث على بعد نحو عشرة كيلومترات غرب اجدابيا. ولاحظ مراسل «فرانس برس» أن جثثاً نقلت على متن سيارة مكشوفة إلى بنغازي معقل المعارضة التي تبعد 160 كلم شمال شرقي اجدابيا. وشوهدت جثث أخرى متفحمة في الصحراء القي عليها غطاء. وفي مكان آخر شوهدت جثث أخرى ممزقة بالقصف قرب دبابات تعرضت لقصف جوي خلف حفراً واسعة في الأرض وبدت سوداء محترقة. ولم يبد السكان تعاطفاً مع القتلى الذين يتهمونهم بأنهم مرتزقة. وشهر أحد السكان بطاقة هوية وجدها على أحد القتلى مصدرها سفارة تشاد في طرابلس. لكن البعض الآخر دعا إلى الهدوء. وقال محمد جمعة الصيدلي في مستشفى بنغازي وهو يشارك في جمع الجثث «أنا حزين لأن بعضهم ليبيون ممن كانوا يجهلون الحقيقة». وأضاف أن «القذافي خدعهم وقال لهم إننا ننتمي إلى تنظيم القاعدة». واستبشر المهندس محمد سالم من اجدابيا بأن سقوط المدينة يوحي ببداية نهاية القذافي. وقال: «أظن أن القذافي سيرحل بعد أيام معدودة، إنها مدينة أساسية لذلك كبدنا هذه الخسائر». وقال أحمد محمد (21 سنة) وهو طالب إنه سمع صوت المعارك ابتداء من الساعة السادسة مساء يوم الجمعة حتى منتصف الليل (الثانية صباحاً بالتوقيت المحلي). ولم يتمكن محمود وأسرته من مغادرة أجدابيا. وأضاف: «لم نستطع الهرب. كان ذلك صعباً للغاية. لم يكن لدينا من الطعام إلا القدر اليسير». وتابع أن قوات الأمن التابعة للقذافي أخذت الناس من منازلهم. وشكّلت استعادة أجدابيا التي تمثل معبراً من غرب ليبيا إلى شرقها الذي تسيطر عليه المعارضة دفعة معنوية كبيرة للمعارضة التي تقاتل لإنهاء حكم القذافي المستمر منذ أربعة عقود. وتناثر حطام المعركة حول البوابة الشرقية، ورأى مراسل «رويترز» أربع دبابات مدمرة تابعة للقذافي. كما رأى صناديق ذخيرة وأعيرة نارية فارغة وصناديق متناثرة فوق الكثبان الرملية. وكانت هناك رائحة حريق قوية. وعلى الناحية الغربية كانت ثكنة للجيش مدمرة بفعل الضربات الجوية الغربية على ما يبدو. البريقة وفي بنغازي، صرح الناطق باسم المجلس الوطني الانتقالي شمس الدين عبد مولاه إلى الصحافيين بأن «اجدابيا باتت مئة في المئة تحت سيطرة قواتنا ونحن نلاحق قوات القذافي على طريق البريقة» التي تبعد 80 كلم غرب اجدابيا. وأكد عبد مولاه أن هجمات الائتلاف «جهّزت ميدان المعركة» للثوار. كما تحدث عن انشقاق ضباط وجنود محنكين من صفوف قوات العقيد القذافي منذ الخميس الأمر الذي لعب دوراً حاسماً في محاصرة اجدابيا باحتواء حماسة الثوار الذين يفتقرون إلى الانضباط والتدريب. مصراتة في غضون ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن ناطق باسم المعارضة المسلحة في ليبيا أن قوات القذافي خففت قصفها لمصراتة التي تسيطر عليها المعارضة أمس بعدما أصابت الضربات الجوية الغربية مواقعها. لكن أحد السكان قال إن القناصة ما زالوا يطلقون النار على الناس من فوق اسطح المباني في وسط البلدة وإن عدد القتلى خلال الأسبوع المنصرم حتى الآن بلغ115 بينهم أطفال. ومصراتة هي المعقل الكبير الوحيد للمعارضة في غرب ليبيا وهي معزولة عن القوة الرئيسية للمعارضة التي تقاتل قوات القذافي في شرق البلاد. وتطوقها قوات القذافي وتقصفها منذ أسابيع. وزادت الطائرات والصواريخ الغربية ضرباتها للمواقع الحكومية هناك وهي خطوة يقول التحالف إنها جزء من تفويضه تتجاوز فرض منطقة الحظر الجوي فوق ليبيا وكذلك حماية المدنيين من الهجمات. وتابع المتحدث ويدعى عبدالباسط أبو مزيرق ل «رويترز» في حديث هاتفي من مصراتة: «طائرات التحالف تحلق في الأجواء فوق مصراتة وقصفت مواقع قوات القذافي على مشارف» المدينة. واستطرد: «قصف مصراتة هدأ. كان هناك قصف عنيف من قبل. نعلم أن طائرات التحالف شنت عدداً من الغارات وقصفت عدداً من المواقع على مشارف المدينة. نعلم أنها قصفت موقعاً للذخيرة داخل القاعدة الجوية (جنوبالمدينة)». ولا يمكن التحقق من التقارير الواردة من مصراتة ثالث كبرى المدن الليبية والتي تقع على بعد 200 كيلومتر شرق طرابلس. ويقول مسؤولون ليبيون إن المعارضة ما هي إلا عصابات مسلحة مرتبطة ب «القاعدة» تحتجز سكان المدينة رهائن. وقال ساكن آخر ل «رويترز» بالهاتف إن قوات القذافي ما زالت تهاجم المدنيين. وأضاف الساكن الذي رفض نشر اسمه «قوات القذافي ما زالت تسيطر على مدخلي المدينة الشرقي والغربي. القناصة مستمرون في استهداف المدنيين. انهم متمركزون على أسطح مبان بوسط المدينة... سقط 115 قتيلاً خلال الأسبوع المنصرم». وتابع أن القتلى يشملون ستة قُتلوا الجمعة بينهم ثلاثة أطفال. وتصور روايات أشخاص من داخل مصراتة المدينة وقد احدث القصف فتحات في جدرانها وأصوات نيران المدفعية والأسلحة الرشاشة تدوي في أجوائها كل بضع دقائق. ويقول أطباء في العيادة التي تستخدم كمستشفى موقت إن عدد المصابين الذين يضطرون إلى التعامل معهم في الردهات فاق قدرتهم وإن المصابين الذين بترت أطرافهم يعادون إلى منازلهم لإفساح المكان لمرضى جدد. وأظهرت لقطات مصورة بثت على الإنترنت وعرفت بأنها من مصراتة مستشفى للأطفال وبه فتحة كبيرة في الجدار وداخله حضانات أطفال مغطاة بغبار الإسمنت والحطام. كما يقول سكان مصراتة انهم يواجهون أزمة إنسانية في ظل تناقص إمدادات الطعام والمياه وانقطاع الكهرباء. وينفي مسؤولون ليبيون أن يكون انقطاع الماء والكهرباء عن المدينة إجراء متعمداً. وتمكنت وكالات الإغاثة من إدخال الإمدادات عبر ميناء مصراتة على البحر المتوسط الأسبوع الماضي لكن من غير المؤكد ما ذا كانت تستطيع توصيل المزيد بسبب تأرجح السيطرة على الميناء بين قوات المعارضة وقوات القذافي. وفي أنقرة (أ ف ب)، قال مسؤول كبير أمس إن تركيا تستعد لتقديم العلاج لمئات الليبيين الذين أصيبوا في النزاع الجاري. وصرح نائب رئيس الوزراء جميل جيجيك إلى صحيفة «حرييت» في عددها السبت أن عبّارة تنقل سيارات إسعاف ومعدات طبية ستتوجه إلى ليبيا قريباً وستعود إلى تركيا وعلى متنها نحو 450 جريحاً ليبياً. ورداً على سؤال عما إذا كانت هذه العملية حظيت بموافقة نظام العقيد معمر القذافي، أجاب «نعم، تركيا هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تجري اتصالات مع المعسكرين (...) سننقل الجرحى. هناك اتفاق حول هذا الموضوع». وحمل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الخميس على «الأصدقاء الغربيين» الذين «يشوشون الأذهان بشأن العملية في ليبيا ويستخدمون تعابير في غير محلها مثل الحرب الصليبية الأمر الذي يثير التساؤلات» حول نياتهم. والحكومة التركية المؤيدة لمنطقة حظر جوي في ليبيا تحت قيادة الحلف الأطلسي وإنما المناهضة لضربات على الأرض، لم تكن راضية عن عدم دعوتها لحضور قمة حول ليبيا عقدها عدد من القادة الغربيين في 19 آذار (مارس) في باريس، وعن معارضة باريس ترك القيادة السياسية للعملية للحلف الأطلسي. وتركيا الدولة المسلمة الوحيدة العضو في الحلف الأطلسي، وافقت أخيراً على إرسال سفن حربية إلى قبالة سواحل ليبيا تحت قيادة الحلف الأطلسي، للعمل على فرض احترام الحظر المفروض على الأسلحة. لكنها تعارض الضربات على الأرض التي تجرى بمبادرة من فرنسا التزاماً بمبدئها المتمثل في عدم الاعتداء على مسلمين.