على رغم أن مثل هذه اللقاءات لا يثير شهية القاعدة العريضة من الشباب، ومثل هذه التكريمات لا يجلب إلا القيل والقال، ومثل هذه الأفكار لا يحظى إلا بدعم الفاهمين والمقدرين، إلا أن كثيرين من الشباب ممن لهم اهتمامات من قريب أو بعيد بمجال التكنولوجيا وجدوا أنفسهم وقد استُنفرت قرون استشعارهم واستيقظت بؤر الاهتمام في أدمغتهم. أدمغة ذات موجات اهتمام تتعلق بالتقنيات الحديثة، وطموحات تؤمن بقدرات على صنع ما لم يصنع من قبل، وحماسة للخروج من أحلام المستقبل إلى تفعيلات الحاضر. «رواد تكنولوجيا المستقبل» وعددهم نحو 700 شاب وشابة من 20 محافظة مختلفة عرضوا نماذج مبتكراتهم المتراوحة بين «الروبوت» كأداة تعليمية، وغواصة قادرة على إصلاح أسلاك إنترنت تحت الماء، وجهاز يجبر السيارات والقطارات على الاحتفاظ بمسافة بينها منعاً للحوادث، وتطبيق على الهواتف المحمولة لخدمة السائح حيثما وجد في داخل مصر، وغيرها كثير. أفكار الشباب التي تعد ترجمة فعلية للخروج من الصندوق المزمن التقليدي والمتمثل في البحث عن وظيفة ميري، أو انتظار فرصة العمل في مصرف، أو انتظار ارتقاء هرم الوظيفة التقليدي على مدى عقود. ابتكارات يرتكز جميعها على مجال تكنولوجيا المعلومات وتوظيفها وتطويعها من أجل خدمة المجتمع المصري وحل المشكلات التي تعرقله. مئات الأفكار المتراوحة في مجالاتها بين البيت والعمل والشارع عرضها مئات من الشباب المصريين يمثلون فئات عمرية تتراوح بين المرحلة الثانوية والجامعة حاز أصحابها شهادات تقدير ومكافآت مالية رمزية تحت راية مبادرة التعليم التكنولوجي لتأهيل الكوادر المصرية الشابة على أحدث مجالات التكنولوجيا في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات والتي أطلقها الرئيس المصري أواخر عام 2015. المبادرة التي تدخل عامها الثاني تسجل فيها 1246 متدرباً وتحوي 39 مساراً تعليمياً مختلفاً و4028 دورة تدريبية كاملة. وهي نموذج للشراكة بين الجامعات والشركات الرائدة مرتكزة الى منصات للتعليم التكنولوجي، إضافة إلى مجموعات دراسية للمساعدة والتحفيز والتقويم والمتابعة. أما الفئات المستفيدة فهي الطلاب والخريجون الجدد الذين لا يعملون، ورواد الأعمال والباحثون والمعلمون في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإلكترونيات. وزير الاتصالات المهندس ياسر القاضي، الذي تقود وزارته تنفيذ المبادرة، يرى أن نماذج المبتكرات التي قدمها الشباب تتعلق بالتنمية المستدامة مثل دمج متحدي الإعاقة كعناصر فعالة في المجتمع، وتطوير نظم المدن الذكية، وتطوير شبكات الأجيال الجديدة من الاتصالات، وتعظيم الاستفادة من الموارد وإعادة تدوير المخلفات والحفاظ على البيئة، إضافة إلى تطبيقات خاصة بالرعاية الصحية والتعليمية وتكنولوجيا النقل الذكي، وغيرها من المجالات القادرة على إحداث نقلة كبيرة في نوعية الحياة في مصر ومن دون كلفة عالية. كلفة المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، لا سيما في مجال تكنولوجيا المعلومات، تعد من عناصر الجذب الكبرى للشباب. كما أن الاستثمار في هذا المجال تظهر نتائجه الفورية في صورة معدل نمو هو الأكثر ارتفاعاً على مستوى الدولة، وزيادة مساهمة هذا القطاع في الناتج القومي الإجمالي، إضافة إلى عائدات التصدير وجذب الاستثمارات من شركات عالمية لإنشاء مراكز تميز وبحوث وتطوير في مناطق تكنولوجية جديدة. وبينما تتخذ الدولة خطوات فعلية لتشييد مناطق تكنولوجية جديدة في مدن عدة، واستكمال مبادرة رواد المستقبل، وإخضاع الأفكار التي تقدم بها الشباب من خريجي المبادرة للدراسة وتفعيل ما يمكن ترجمته على أرض الواقع، يجري كالعادة تسييس المبادرة وتقويمها بناء على الموقف من النظام ومدى تأييده أو معارضته أو التشكيك فيه. المعارضون والمشككون في كل ما حولهم لم يألوا جهدًا في التشكيك في المبادرة، والتقليل من قيمتها، وطرح علامات الاستفهام حول شبابها، والتأكيد- بناء على آراء معاد تدويرها وتدوينات وتغريدات عنكبوتية- إنها ليست إلا وسيلة لإلهاء الشباب عن المشكلات الأصلية والإخفاقات الاقتصادية والتحكمات السياسية. ولم تكن هذه المبادرة وتخريج الدفعة الأولى من الملتحقين بها إلا «نجاحاً سياسياً ساحقاً وإنجازاً رئاسياً لافتاً» في نظر عتاة التأييد والمفرطين في التمجيد. فهي «خير رد على أعداء النجاح وداعمي جماعات الشر وزارعي التشاؤم والكآبة»، كما علق أحدهم على أحد المواقع الخبرية. كما إنها «مبادرة وطنية عظيمة وأحد الأدلة الكثيرة على أن مصر تسير في الطريق الصحيح». وبين المبالغين على طرفي النقيض، نماذج لمبتكرات وأفكار تكنولوجية تنبئ بشباب وشابات قادرين على التفكير خارج الصندوق حال توافر إمكانات مادية وتدريبية معقولة. وقد شهد الاحتفال بتخريج الدفعة الأولى من المبادرة كذلك إطلالة على المنطقة التكنولوجية في أسيوط، وأبناء الصعيد العاملين هناك، وهي تعد مبادرة حقيقية أولى لمشروعات تكنولوجية مقرها صعيد مصر. وبدلاً من نزوح شباب الصعيد إلى القاهرة ومدن الوجه البحري للعثور على فرصة عمل تصل إليهم فرص العمل وأفكار المشروعات الصغرة والمتناهية الصغر في مجال تكنولوجيا المعلومات إلى باب دارهم. ومن باب الدار الذي تدقه فرص حقيقية إلى بوابة المقهى الذي يدقه شباب بعضه يبحث عن فرصة والبعض الآخر تبحث الفرصة عنه. هناك من يشكك في المبادرات الشبابية والفرص المعلن عنها والشباب الذي يتم تكريمه واستضافته ليتحدث عن تجربته في التدريب وجاهزية الانطلاق. والبعض الآخر يفكر ويعطي نفسه فرصة التأكد من الصدقية واختبار الشفافية في هذه المبادرات عبر طرق بابها والتأكد من جدواها.