شهدت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بسقوط النظام الحاكم في اليمن، ورحيل الرئيس علي عبدالله صالح عن السلطة، الإثنين الماضي، تحولاً مفصلياً بإعلان قائد المحور الشمالي الغربي، قائد الفرقة الأولى المدرّعة اللواء علي محسن صالح الأحمر، انضمام قواته إلى صف الثورة الشبابية السلمية، وتعهده حماية العاصمة اليمنية وكل المناطق التي تتواجد فيها قواته، وقبل كل ذلك حماية المعتصمين في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء، من أي «عمل قد تقوم به قوات الأمن أو بلطجية حزب المؤتمر الشعبي العام» كما قال. التحول غير المتوقع لموقف اللواء الأحمر، من الأزمة المتفاقمة في البلاد، مثل ضربة قاسية لنظام الحكم وللرئيس علي صالح تحديداً، بخاصة أن اللواء علي محسن الأحمر الذي يوصف بأنه الرجل الأقوى في الجيش اليمني، ويحظى بنفوذ واسع في مؤسسة الجيش وفي أوساط مختلف القبائل اليمنية، والأحزاب السياسية، كان طوال العقود الثلاثة الماضية الداعم الرئيس لبقاء علي صالح في الحكم. خسارة الرئيس اليمني في الرجل، لم تقتصر على تحول موقفه من داعم إلى مواجه، لكنها كانت أكبر من ذلك بكثير، فهذا التحول وفق مراقبين مقربين من دوائر الحكم في صنعاء، تبعه أولاً تحول مماثل للكثير من الفرق والألوية العسكرية، وكسر حاجز الخوف في نفوس الكثير من القيادات العسكرية والأمنية ورجال السياسة والسلطة وحتى الإعلام، ما فتح الباب واسعاً أمام سيل من الاستقالات التي قدّمها جميع هؤلاء من مناصبهم الوظيفية وانتماءاتهم الحزبية، قبل الارتماء في أحضان شباب التغيير والثورة، ل «إعلان التوبة عن كل ما فات، والاستعداد لمناصرة الثوار في ما هو آتٍ». ويعتقد مراقبون مواكبون لما تشهده الساحة اليمنية أن هذا التحول كشف الغطاء العسكري عن الرئيس علي في الوقت الذي أكدت السعودية احترامها خيارات الشعب اليمني. ويرى هؤلاء المراقبون أن تحول اللواء علي محسن الأحمر من داعم للرئيس اليمني إلى مواجه له، يستند إلى خلافات تمتد جذورها لأكثر من عشر سنين مضت، ويقولون إن مشروع توريث السلطة الذي كان يخطط له الرئيس منذ زمن بعيد يمثل السبب الأهم لهذه الخلافات التي تفاقمت إلى أن وصلت حد القطيعة الكاملة. ويشيرون إلى أن رغبة الرئيس في نقل السلطة لنجله الأكبر أحمد الذي يتولى قيادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، أدت الى إهماله كل شيء غيرها، من خلال غربلة المؤسسة العسكرية، وإزاحة الكثير من جنرالات الجيش الذين كانوا يدينون له بالولاء، وتعيين آخرين مقربين من نجله أحمد، الذي عين قائداً للحرس الجمهوري بعد أن نجح والده الرئيس في إزاحة أخيه غير الشقيق علي صالح الأحمر من قيادة الحرس، كما نجح أيضاً في إبعاد قادة مخضرمين تربطهم صلة قرابة بقائد الفرقة المدرعة اللواء علي محسن الأحمر الذي مثل عقبة أمام مشروع التوريث. ويجزم مراقبون وسياسيون بأن الحروب الست المتقطعة في محافظة صعدة بين الجيش اليمني والحوثيين، أشعل فتيلها الحكم لإضعاف القوة الضاربة للفرقة الأولى، التي رفض قادتها وكثيرون من عناصرها، الانضمام الى قوات الحرس الجمهوري، عند إعادة تشكيلها على يد قائدها الجديد، وفي الوقت ذاته القضاء على اللواء علي محسن الأحمر، في تلك الحروب، وهو ما كشفته أخيراً وثائق «ويكليكس» التي أكدت أن السلطات اليمنية زودت الطيران بإحداثيات لمواقع يتمركز فيها مسلحو الحوثي. وتبين للطيارين في مرتين متتاليتين، أن هذه الإحداثيات كانت لمقر القيادة العسكرية التي يوجد فيها اللواء علي محسن الأحمر، فتفادوا قصفها، الأمر الذي أكد مساعي الحكم في صنعاء للتخلص منه. غير أن مقربين من قائد المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى، أكدوا ل «الحياة» أن على رغم كل ذلك ظل وفياً لعلي صالح، ولم تكن تلك الأسباب وحدها وراء تحوله من داعم إلى خصم. وشددوا على أن الدوافع الحقيقية لتحول موقف الرجل، تكمن في استنفاده كل السبل الممكنة، لإقناع الرئيس اليمني بالاستجابة لمطالب المحتجين، وتطبيق إصلاحات جدية وعدم قمع المعتصمين واستخدام القوة المميتة ضدهم. وأشاروا إلى أن مقتل عشرات وإصابة مئات من المحتجين يوم الجمعة الفائت على أيدي قناصة، دفع اللواء الأحمر لهكذا تحول، ليبعث إلى الرئيس برسالة واضحة الدلالة، مفادها الردع وإجباره على التوقف عن استخدام القوة ضد المعتصمين سلمياً، ودفعه أيضاً إلى التخلي عن السلطة بالطرق السلمية. ونفوا أية مطامع لدى الأحمر في السلطة أو رغبة في السيطرة عليها. وأياً تكن الأسباب والدوافع، فإن التحول في موقف قائد الفرقة المدرعة، أعطى الثورة الشبابية زخماً كبيراً، قاد إلى تسارع أحداثها في شكل لم يتوقعه أحد، بل إنه مثّل زلزالاً داخل نظام الحكم، ومنح الثورة الحماية التي تمكنها من الصمود، وتقيها هجمات أنصار الرئيس والحزب الحاكم. وعلى رغم الفرحة الكبيرة التي اعتلت وجوه الشباب في «ساحة التغيير» بإعلان أبرز القيادات العسكرية والأمنية والسفراء ومسؤولي الدولة انضمامهم إلى ثورة الشباب، والترحيب الواسع بهذا الانضمام في ساحات التغيير والحرية التي يعتصمون فيها، إلا أن ذلك لم يمنع كثيرين من اليمنيين بعامة، والشباب في شكل خاص من التعبير عن مخاوفهم حيال هذا التحول الذي قد يقود إلى الالتفاف على ثورتهم، وسرقة جهودهم وتضحياتهم، وتحويل الثورة عن مسارها السلمي وأهدافها الوطنية إلى خدمة غايات شخصية وفئوية. وتزداد المخاوف الشعبية والشبابية مع تزايد الإشاعات حول الأعداد الكبيرة المنشقة عن النظام واللاحقة بركب الثورة، والتشكيك في نياتها وأهدافها الرامية إلى السيطرة على مقود الثورة وجني ثمارها، علاوة على مساعي السلطة لزرع الشقاق في صفوف الشباب المعتصمين في الكثير من الميادين والساحات، والتشكيك في وافع التيارات السياسية والفكرية، الممتزجة بمكون شبابي واحد يحمل همّ التغيير والثورة السلمية. وخلال الأيام القليلة الماضية، شهدت المنتديات الشبابية في ساحات التغيير والحرية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وحتى مقايل القات التي تجمع عادة الأطياف السياسية اليمنية، جدلاً واسعاً حول التحول وانعكاساته على مسار الثورة، بخاصة ان الكثير من القيادات العسكرية والسياسية التي أعلنت انضمامها إلى الثورة، يلاحقها الكثير من الاتهامات بالفساد المالي المستشري في البلاد، وعمليات النهب الواسعة لأراضي الدولة والمواطنين، ما يثير كثيراً من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا التحول الذي قد يكون «تبييضاً» لسجل هذه الشخصيات، ما يعتبره بعضهم إساءة إلى الثورة قبل اكتمال بنيانها. تقول الأديبة اليمنية، إحدى القيادات النسائية في ساحة التغيير في صنعاء هدى العطاس ل «الحياة»: «أظن أن دخول علي محسن الأحمر على الثورة شوّش على المعتصمين وبث الشكوك والبلبلة داخل الساحات، ويأتي ذلك أيضاً ضمن تنسيق خارج أهداف الثورة وتطلع اليمنيين إلى دولة مدنية حديثة، خالية من إعادة إنتاج المشيخ القبلي والعسكري». وترى العطاس أن هذا التحول «لم يعطِ قوة للثورة ولم يكن المعتصمون يحتاجون إليه، لأن الثورة سلمية ولا يريدونها غير ذلك». وتعتقد أن «الثورة كانت ستسقط النظام بتوسعها بالمعتصمين وسلميتهم، وكانوا أقوياء بإيمانهم بمطالبهم»، مشيرة إلى أن اللواء علي محسن الأحمر «كان شريكاً كاملاً للنظام» المراد إسقاطه. وتقول: «يجب التفريق بين انضمام عضو عادي في المؤتمر الشعبي الحاكطم أو موظف في الدولة لم يشترك في تدابير النظام الفاسد، وبين انضمام شركاء النظام ورموزه». أما المحامي والناشط الحقوقي عبدالرحمن برمان، فيرى أن «انضمام علي محسن الأحمر والقيادات العسكرية الأخرى جعل النظام ينهار ودفع بقيادات عسكرية ومدنية وديبلوماسية إلى الاستقالة ورفع معنويات الشباب». غير أن برمان وهو أحد الشباب الموجودين في «ساحة التغيير»، يعبّر عن مخاوفه من أن يقضي هذا الانضمام على «سلمية الثورة التي لم نحلم بأن تكون بهذا المستوى من السلمية». ويشير إلى ما حدث في تونس ومصر وبعض الدول الأخرى العربية من عنف وحرق طاولا أقساماً للشرطة ومرافق عامة وخاصة. ويقول إن مثل هذا العنف «لم يحدث في اليمن حتى هذه اللحظة، خصوصاً في صنعاء وتعز والحديدة وذمار وحضرموت والبيضاء، وكل المحافظات اليمنية، باستثناء محافظة عدن». ويعبّر عبدالرحمن برمان عن مخاوف من أن «تحدث المواجهة بين الجيش منقسماً فريقين، الأول يمثل الفرقة المدرعة التابعة لعلي محسن، وقوات الحرس الجمهوري التابعة للرئيس علي صالح». ويؤكد برمان وجود تواصل مع قائد الفرقة المدرعة اللواء علي محسن الأحمر، ومن معه و «حضّهم على ضبط النفس وعدم الانجرار إلى العنف الذي يسعى الحكم إليه، ليجد المبرر لقمع الثورة والمعتصمين»، ويضيف: «يجب أن يكون دور المنضمين من القيادات العسكرية والأمنية إلى صف الثورة، مقتصراً على حفظ الأمن والاستقرار عند رحيل النظام الحاكم». وفي مواجهة هذه المخاوف المنطقية والمشروعة، يرى الكثير من السياسيين اليمنيين، أن هذا التحول في المواقف يصب في مصلحة الثورة ويخدم أهدافها في هذه المرحلة الراهنة، بصرف النظر عن أهداف أصحابها، إضافة إلى أن ذلك ساعد في شكل كبير على تآكل النظام من الداخل.