يبدو فاضل، ابن الرابعة عشرة من عمره، أكثر هدوءاً ونضجاً من زملائه في المدرسة، هو صبي مجتهد وحنون ومحب، ولكن «مختلف». «مختلف» لأنه يتيم ولا أسرة له، بل يعيش في دار للأيتام حيث يتشارك الحال مع صبيان آخرين ممن فقدوا ذويهم ولم يجدوا قريباً مستعداً لرعايتهم، فانتهى بهم المطاف في الدار مع أم بديلة وإخوة بدلاء. «ابن الميتم» هذا لقبُ فاضل، الذي يرافقه على مقاعد الدراسة وفي باحات اللعب، إذ على رغم محبة زملائه له وتعاطفهم مع الحرمان الوالدي الذي يعيشه، يبقى ابن تلك الدار، وطفلاً «مختلفاً» لا أب لديه يسأل عنه أو أم تشارك في أي من المناسبات التي تستضيفها المدرسة. يبقى مختلفاً لا سند له، بل فقط شفقة تزداد في عيون أمهات الطلاب الآخرين وتدفع بعضهم للتبرع بما يفيض عن الحاجة من ثياب أو طعام أو حتى بعض المال. يقول فاضل: «لي صديق واحد مخلص، وأنا أحبه جداً»، ويضيف: «أفرح كثيراً عندما تدعوني أمه لأمضي بعض الوقت في بيتهم وأعيش جو الأسرة، مرات أتمنى أن أبقى عند هذه العائلة الطيبة طوال الوقت». وتختلف مواقف أمهات أخريات ممن يعبِّرن عن عدم استعدادهن لاستضافة «ابن ميتم» في بيوتهن خاصة، ويعتبرن أن تقديم المساعدات المادية له من بعيد أمر «أكثر من كافٍ». وتنتشر المؤسسات التي تُعنى بالأيتام في كثير من المحافظات السورية، وتعمل معظمها كجمعيات خيرية دينية إسلامية ومسيحية تستقطب أبناء وبنات الطائفة من الأيتام لإنقاذهم من التشرد، وتعتمد على التبرعات المادية الفردية أوالمؤسساتية. وبينما يعد الأيتام في بعض هذه المؤسسات بالمئات، لا يتجاوز العدد في دور أخرى العشرة. ويعود ذلك لأسباب مختلفة، سواء جغرافية أو اجتماعية، ويبذل معظم القائمين على هذه الدور الجهد لتعويض اليتيم فقدانه حنان الأب والأم الحقيقيين وتخفيف شعوره بالوحدة ودعمه دراسياً وعاطفياً كي يتجاوز مشاكله. وتقول مشرفة في دار للأيتام في دمشق: «التبرع لليتيم أمر محبّذ وتحثّ عليه الأديان، لذلك لا نجد أي مشكلة في جمع التبرعات للإنفاق على الأطفال الذين في عهدتنا». وتضيف: «مشكلتنا هي في تقبل المجتمع لليتيم بين غيره من الأطفال، وليس فقط كوسيلة للتبرع وإرضاء الذات، وهنا تلعب وسائل الإعلام والجمعيات الأهلية دوراً مهماً في ترويج ثقافة مختلفة تقوم على احتضان اليتيم وتسهيل مصيبته عليه». ويتعرض اليتيم إلى تمييز سلبي، يكرِّس بُعده عن المجتمع ويصعِّب عملية اندماجه حتى ولو بقصد التعاطف. ويعتمد نظام مؤسسات رعاية الأيتام، من دور أيتام أو قرى أطفال أو مراكز أخرى، على النظام الجماعي الذي يوفر أُمّاً بديلة أو خالة بديلة، موظفة لغرض أن تقضي وقتها مع الأطفال وترعاهم وتقدم لهم الحب والحنان. ويقسَّم الأيتام إلى مجموعات بحسب الأعمار، وتعيش كل مجموعة في مساحتها الخاصة مع أمها وخالتها البديلة، وأيضاً توفر بعض دور الرعاية اختصاصيين نفسيين واجتماعيين يشرفون على تطور الأطفال عاطفياً، ويقدمون العون لهم للتغلب على مشاكلهم الداخلية، بالإضافة إلى عدد من المتطوعين الذين يساعدون غالباً إدارة المؤسسة على توفير مستلزمات الحياة لهؤلاء الأطفال. ويُسمح لمن يرغب من العائلات الممتدة والأقارب بزيارة أبنائهم من الأيتام والتواصل معهم بشكل دوري، وأما من ليس له قريب يسأل عنه، فتحاول إدارة المؤسسة التعويض عليه بطرق مختلفة كي لا يشعر بنقص أكبر. وأثبتت دراسات نفسية عديدة، احداها نفّذها اخيراً معهد فوكوشيرا في اليابان، تحسناً ملحوظاً في نمو الأطفال الذين يتم إلحاقهم بأسر بديلة، وتمكين قدرتهم للتغلب على مشاكلهم النفسية والاجتماعية والاندماج مع الوسط المحيط، مما يسهل الحياة المستقبلية لهؤلاء الأطفال، «ويفتح بعض الأبواب في وجههم، إذ يوفر لهم أسرة تحميهم وتنشئهم وتبقى معهم حتى يصبحوا أفراداً منتجين وقادرين على الاستمرار بدل أن يتركوا دور الرعاية ليواجهوا مجتمع نبذهم وعزلهم في دار بدلاً من أن يحتضنهم ويستوعبهم».