الشرق الأوسط ينتفض وشعوب العالم العربي تتحرك معلنة ميلاد تاريخ جديد للمنطقة، ولعله شرق أوسط جديد غير الذي أرادته أميركا (نسأل الله ذلك)، وفي زحمة الأخبار والمستجدات على الأرض في معظم الدول العربية، تقف فلسطين على استحياء تتابع ما يجرى، وترقب المستقبل بأمل وخوف، أمل بأن يكون هذا التغيير لمصلحة قضية فلسطين وخطوة في سبيل تحريرها وعودتها إلى شعبها، وخوف من أن تضيع هذه الثورات وتسرقها قوى الظلم والاستعباد بحجة الحفاظ على الديموقراطية المزعومة لتعود قضية فلسطين إلى أدراج الحكام. إن ما تمر به فلسطين من واقع قد يكون الأصعب عليها وعلى شعبها منذ الاحتلال الصهيوني، ففي 1948 و 1967 كان العدو واضحاً وجلياً للجميع ووقف الشعب الفلسطيني يداً واحدة لدفع الضرر وحماية الوطن. ضاعت الأرض لكن القضية بقيت حية في قلوب أهلها، تمسك الشعب كله بحقه في أرضه وحقه في الانتصار لقضيته بشتى الطرق والسُبل المتاحة له. سيطر العدو الصهيوني على الأرض وشرع ببناء المستوطنات التي نهشت جسد الضفة الغربية، ليحول أرض الضفة جزراً صغيره تفرقها المستوطنات، أما مدينة القدس وأقصاها الأسير، فهما يتعرضان لتهويد شمل كل الجوانب، فسكان المدينة العرب المسلمون يُرحلون بل وتسحب هوياتهم لإفراغ المدينة من السكان المسلمين، والبيوت تهدم وتدمر ليبنى مكانها بيوت للمستوطنين أو حتى متنزهات لليهود، والأقصى الشريف لا يمر عليه يوم إلا وتتعرض مكانته الدينية لانتهاك، كان آخرها توزيع صورة القبة المشرفة وقد ارتفع عليها علم إسرائيل. إن الجرح الأعمق الذي تعانيه فلسطين الآن ليس الاحتلال وإنما الجرح الذي صنعه الأخ الفلسطيني والابن الفلسطيني! فما لم يكن أحد يحلم به في يوم من الأيام حصل بل كان ولا زال كابوساً مزعجاً للجميع. فأبناء فلسطين اقتتلوا وسالت دماؤهم بفعل أيديهم هم.. لن نبحث عن السبب والمسبب والمسؤول فالجميع مسؤول عما جرى ويجرى... حتى الشعب والمواطن العادي يطاوله ذنب لأنه صامت. انقسم الوطن وضاع بين ضفة وغزة بعد أن قُسم سابقاً أرض 1948 وأرض 1967. وقد يُقسم غداً إلى جنين ونابلس ورام الله وغزة وخانيونس و و و و و و و. وفي كل ارضٍ منها وطن جديد مستقل! فلسطين أصبحت وطناً يتراقص – من شدة الألم - على حافة الهاوية، تكاد أن تسقط بها، تنتظر أن تمد لها اليد التي تعيدها وتبعدها عن تلك الهاوية ولن تأتي هذه اليد من غريب، فلا بد لأبناء هذا الوطن من أن يكونوا جسداً واحداً يقدم يده للوطن لفلسطين كي تنهض من جديد، خصوصاً أن الوضع العربي الجديد والتغيرات التي تحدث في المنطقة قد يكون لها الأثر الإيجابي على قضية فلسطين، لكن لن يحدث هذا التغيير حتى ينتهى الانقسام.