لا تزال منظمة الأممالمتحدة تدور في فلك «الإخفاقات المتتالية»، وسط انتقادات تطاولها من رؤساء ودول ومنظمات بالفشل في القيام بمهامها وسوء إدارة الأزمات الدولية القائمة على الجانبين الإنساني والسياسي. وتوالت الانتقادات الحادة ل«الأممالمتحدة» إثر تقريرها الأخير، الذي طرحه الأمين العام أنطونيو غوتيري أخيراً على مجلس الأمن الدولي بعنوان «الأطفال والنزاعات المسلحة»، الذي تضمن معلومات مغلوطة اضطرت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية الداعم للشرعية في اليمن إلى وصفها ب«غير الصحيحة»، في ما وصفته الحكومة اليمنية ب«الباطل» بينما تحفظت منظمة التعاون الإسلامي عليه مؤكدةً بأنه «غير حقيقي، ولا يعتمد على أدلة كافية، ويفتقد إلى الصدقية»، في الوقت الذي قال عنه مدير منظمة «يونيسكو» ب«أنه يناقض المعايير المهنية ويتجاهل الحقائق». التعليقات على تقرير الأمين العام أنطونيو غوتبري تواصلت على مدى أيام من جهات ومنظمات مختلفة، إذ اتهم المجلس الأوروبي للعلوم الاجتماعية منظمة الأممالمتحدة بأنها تكيل بمكيالين، مؤكدة أنه من حق أية جهة دولية أن تتساءل وتستعلم عن المبررات والحيثيات والأدلة التي استند إليها التقرير الأممي حول الحرب في اليمن، فيما قالت «مشيخة كوسوفا» أن التقرير «مرفوض تماماً»، بينما وصفت «إفتاء الفيليبين» التقرير بأنه «خال من الصدقية». وأعاد التقرير الأخير إلى الأذهان حالات كثيرة لازمت فيها الإخفاقات «الأممالمتحدة» منذ تأسيسها في تشرين الأول (أكتوبر) 1945 في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، وهو ما يؤكده أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور عايد المناع، الذي قال ل«الحياة»: «فشل الأممالمتحدة ليس جديداً، إذ تعاني منذ نشأتها من الكثير من الفشل»، مستدركاً: «أبرز مظاهر الفشل للمنظمة عدم تنفيذ قرارتها، فضلاً عن هيمنة مجموعة من الدول دائمة العضوية علي قراراتها». وأضاف المناع: «لا أعتقد بأن الأمين العام البرتغالي أنطونيو غوتيريس سيغير إيجاباً في عمل الأممالمتحدة كونه لم يفلح في الملف الإنساني عندما كان مسؤولاً عنه، كما أنه سيساير الدول الكبرى في مسائل كثيرة ويعمل على إرضائهم». وواصل: «الأمين العام للأمم المتحدة أضاف إلى قائمة فشل الأممالمتحدة تقريره الأخير المعنون ب(الأطفال والنزاعات المسلحة)، الذي تضمن قائمة بمن يتحملون المسؤولية في انتهاكات حقوق الأطفال خلال القتال الجاري في اليمن، إذ أدرج في القائمة قوات التحالف العربي بقيادة المملكة الداعم للشرعية في اليمن، وهو التقرير المضلل الذي وضع السعودية في القائمة السوداء واتهمها بالانتهاك، وهذا التقرير دلالة جلية على أن الأممالمتحدة تسير بمعايير مقلوبة». وأشار الأكاديمي الكويتي إلى أن الأممالمتحدة ذاتها أصدرت قرارات تدين اجتياح قوات علي عبدالله صالح والحوثيين لمناطق يمنية، وطالبت في الوقت ذاته بعودة هذه القوات إلى أماكنها مهددةً باستخدام الفصل السابع لإجبارها على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ولكن عندما تباطأت وتأخرت أخذت المملكة العربية السعودية ومجموعة من الدول على عاتقها حماية الشرعية اليمينة سعياً وراء اجتناب سفك المزيد من الدماء. وسجلت الأممالمتحدة عجزاً واضحاً في إدارة العديد من الأزمات في المنطقة، إذ لا تعد «الأزمة اليمنية» حالة منفردة، بل إن قائمة فشل المنظمة الذريع طاولت الملف السوري والقضية الفلسطينية، إضافة إلى النزاعات الليبية، وهو ما جعلها في مرمى انتقاد قادة الدول، والمختصين في الشؤون السياسية والإنسانية والعلاقات الدولة، وهو ما يحدو برئيس منظمة «سابراك» سلمان الأنصاري إلى وضع علامات استفهام حول فشل المنظمة في إحراز أي تقدم في مختلف ملفات المنطقة. ويوضح الأنصاري وجهة نظره في تعليق ل«الحياة»، قائلاً: «أخفقت منظمة الأممالمتحدة في فرض قراراتها بشأن اليمن بدءاً من قرار 2140 الداعي إلى وحدة اليمن، وهو القرار الذي لم يجد طريقه إلى التنفيذ، وكذلك قرار رقم 2201 الداعي إلى انسحاب الحوثيين من المؤسسات الحكومية اليمنية، وهو القرار الذي لم يلتزم به الحوثيون، وكذلك القرار رقم 2216 القاضي بتجميد أرصدة الحوثي ونجل صالح ومنعهما من السفر، في الوقت الذي لا زلنا نرى تدفقاً في الدعم المادي ووصول الأسلحة إلى إليهما من دول مجاورة مثل إيران وغيرها حتى الآن، وأضف إلى القائمة قرار رقم 2342 الصادر في 23 شباط (فبراير) 2017 الداعي إلى الالتزام بمبادرة مجلس التعاون الخليجي، وتحقيق انتقال سياسي في اليمن، وهو أيضاً قرارا لم يلتزم به الحوثيون». ينتقل الأنصاري من سلسلة فشل المنظمة في تطبيق قراراتها إلى قضايا أخرى في المنطقة، ويقول: «سجلت منظمة الأممالمتحدة فشلاً ذريعاً في سورية والقضية الفلسطينية أيضاً، ما جعلها محل انتقاد الدول والمنظمات، إذ لم تقدم أي ضمانات لمؤتمرات مثل جنيف التي انطلقت باكراً لحل القضية الفلسطينية في 1973، وكذلك جنيف 2012 وحتى 2017 لحل الأزمة السورية، وجنيف 2015 لحل الأزمة اليمنية، وكل هذه المؤتمرات سجلت فشلاً ذريعاً في إحراز أي تقدم في أي ملف من تلك الملفات». ويؤكد الأنصاري أن الأممالمتحدة بحاجة إلى إصلاح شامل، قائلاً: «نحن نتحدث عن فشل قديم ونذكر هنا رفض السعودية لعضوية المجلس في 18 أكتوبر 2013، احتجاجاً على عجز المجلس، وتغول بعض أعضائه مثل روسيا وتعسفها في استخدام قرارات الفيتو في أزمة مثل الأزمة السورية غير ذات مرة ومنها استخدامه في 4 أكتوبر 2011، وفي 4 فبراير 2012، وفي 19 يوليو 2012، وفي 22 مايو 2014، وفي فبراير 2017، وجميعها قرارات مثلت شريان لبقاء نظام الأسد وارتكاب المزيد من المجازر بحق الشعب السوري، فيما لا يزال المجلس يتخاذل ويقود إلى تعميق الكوارث الإنسانية في العديد من دول العالم». ويواصل: «جيفري فيلتمان نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، أعرب في ندوة له في 9 أكتوبر 2016 نقلتها مصادر إعلامية محلية عن أسفه لاستمرار الصراع في سورية، على رغم كل الجهود التي تبذلها الأممالمتحدة لإنهاء الحرب، وهو ما يدعو إلى ضرورة إصلاح المجلس والمنظمة الأممية». ويستطرد الأنصاري: «ما زالت أصداء الفيتو الفرنسي الشهير في رواندا 1994، الذي تسبب في إبادة جماعية بحق أقلية التوتسي على يد قبائل الهوتو، عالقة في أذهان الجميع، ويبدو أنها ستتكرر كثيراً خلال الفترة المقبلة، إذا لم توجد رغبة دولية صادقة بإصلاح منظمة الأممالمتحدة ومجلس الأمن بالتحديد». من جهته، يشير المحلل السياسي خالد باطرفي إلى ما يسميه «الدور المشبوه» ل«الأممالمتحدة» في القضايا العربية والإسلامية، ويقول: «على رغم أن الدول الإسلامية والعربية تمثل أكبر تكتل في جمعيتها العامة (57 دولة)، وتمثل السعودية ودول الخليج أكبر الداعمين لبرامجها الإنسانية، فإن للأمم المتحدة دوراً مشبوهاً في القضايا العربية والإسلامية. وأخيراً تجلى هذا الدور بوضوح في سورية واليمن وبورما، وقبل ذلك في البوسنة والهرسك والشيشان وتركستان وفلسطين، وفي كل مكان عانت فيه الجاليات الإسلامية من ظلم وطغيان، ومع ذلك لم تقدم المنظمة الأممية أي موقف رادع ومفيد للدفاع عن المسلمين والعرب، بل بدا في كثير من الأحيان أنها تقف مع الظالمين، كما فعلت مع صربيا وتفعل اليوم مع إسرائيل». ويضيف باطرفي: «أخيراً كانت هناك مواقف غريبة في اليمن أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه منذ تولي الأممالمتحدة الملف اليمني بعد الأخذ بالمبادرة الخليجية واستقالة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتكليف السيد جمال بن عمر بالإشراف على تطبيق المبادرة وإدارة المرحلة الانتقالية، فما أن تسلمت المنظمة وموفدها الأممي الملف من الدول الخليجية والوضع يتدهور من سيئ إلى أسوأ، فتحت سمعه وبصره دخل الحوثيون صنعاء والحديدة وحاصروا تعز وعدن، واستولوا على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وتمكنوا وشريكهم الرئيس السابق من الحكم، ولولا عاصفة الحزم لتمكنوا من السيطرة على مناطق اليمن كافة وسلموها لقمة سائغة لإيران». ويتابع: «على رغم استبدال المغربي جمال بن عمر بعد فشله الذريع في حل المشكل اليمني وتدهور الأمور إلى درجة استيلاء الانقلابين على السلطة وسجن الرئيس ونائبه وحكومته ثم مطاردته بعد هربه للقضاء عليه، إلا أن البديل لم يكن أفضل كثيراً، إذ اختار الأمين العام للأمم المتحدة السابق الكوري الجنوبي بانكي مون، موفداً له الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي مال كثيراً لجانب الانقلابين وحاول ولا يزال استرضاءهم على حساب الحكومة الشرعية، ولعله وجد الحلف المنشود في إدارة أوباما ووزير خارجيتها جون كيري المفتونين بحضارة فارس، والحريصين على استرضاء حكومة الملالي لضمان التزامها بالاتفاق النووي». ويتطرق باطرفي إلى أن «اليوم يأتي الأمين العام الجديد البرتغالي الاشتراكي أنطونيو غوتيريس ليواصل المشوار بالقدر ذاته من التحيّز والتأثر بمشورة مساعدين ومفوضين أمميين تم اختراقهم من أعداء التحالف العربي وتورطوا في علاقات مهنية وشخصية مع الانقلابين لدرجة التعامل معهم كحكومة أمر واقع ومخاطبتهم رسمياً للحصول على إحصاءات ومعلومات الحرب وكأنهم جهة رسمية معتمدة دولياً أو محايدة، بل إن المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان في اليمن جورج أبو الزلف قام بتسهيل سفر قيادات ووفود حوثية خارج اليمن بطائرات الأممالمتحدة وقدم بنفسه دورات تدريبية لهم لتحسين صورتهم الدولية ودافع عنهم في محافل عالمية، وأمام هذا التحيّز السياسي والتواصل السري - العلني والعلاقات المشبوهة هل يستغرب أن تخرج علينا المنظمة الدولية بتقارير مسيئة للتحالف العربي وإحصاءات ووقائع خاطئة وملتبسة؟ يبدو أنه قد آن الأوان لتقود الدول العربية والإسلامية في الجمعية العمومية ومجلس الأمن التحركات لإعادة هيكلتها وتصحيح مسار المنظمة العجوز، وتجديد قياداتها بدماء شابة جديدة، لم تتلوث بالآيديولوجيا والحزبية والمصالح الشخصية، كما أن من حقنا أن نطالب بتغيير شامل لممثليها في بلادنا العربية والإسلامية بعد أن ثبت تهاونها أو تامرها ضد شعوبنا من بورما وسورية إلى فلسطين واليمن».