تواجه رئاسة منظمة الأممالمتحدة انتقادات حادة بسبب سوء إدارتها أخيراً للأزمات السياسية والإنسانية في المنطقة، وتحديداً في الملف اليمني، وعلى رغم الدور المحوري للمنظمة العالمية تجاه الأزمة اليمنية، إلا أنها أثبتت أخيراً تقصيرها في هذا الملف وتحديداً في الجانب الإنساني، إذ اتهمت وزارة حقوق الإنسان اليمنية منظمة الأممالمتحدة التي رفع أمينها العام أخيراً تقريراً عن الأطفال والنزعات المسلحة، متهماً فيه التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الداعمة للشرعية في اليمن بممارسة خروقات ضد الأطفال، و«القصور» تجاه الجانب الإنساني والحقوقي في اليمن، مطالبة بإعادة تقييم أداء المنظمة في اليمن، مؤكدة أنها لم تتلق الدعم اللازم من الأممالمتحدة طوال فترة الأزمة اليمنية. وأوضح وزير حقوق الإنسان اليمني محمد عسكر في تصريح ل«الحياة»، أن التقرير الذي صدر عن الأممالمتحدة أخيراً يحتاج إلى إعادة نظر، كونه لم يقم على أسس مهنية ومحايدة ومعايير دولية، مشيراً إلى أنه حين يتم تصنيف دولة أو تنظيم أو تحالف يجب التوثيق ورصد الانتهاكات بشكل مهني من دون الاستعانة بميليشيات تقوم بتزوير شهادات الوفاة للأطفال بعد تجنيدهم وإرسالهم للدخول في اشتباكات مسلحة، مطالباً «الأممالمتحدة» بإعادة تقييم أدائها، مشيراً إلى أهمية دورها في الأزمة اليمنية. وشدد عسكر أنه يجب على «الأممالمتحدة» عند النظر في الأزمة اليمينة عدم المساواة بين أطراف النزاع، إذ إن الحرب المستمرة في اليمن أوجدت مشكلة إنسانية تم استغلالها من ميليشيات انقلابية لتحقيق أهداف سياسية، وقال: «كثير من الأموال التي رصدت لإغاثة الشعب اليمني للأسف الشديد لا تذهب بشكل مباشر وفعال إلى مستحقيها»، وأضاف: «وزارة حقوق الإنسان اليمنية لم تتلق أي دعم أو مساندة للتعامل في قضايا حقوق الإنسان طوال ثلاث سنوات ماضية، سوى دعم يتيم عبر المفوضية السامية لحقوق الإنسان عبارة عن دورة تدريبية لفريق من الوزارة بجنيف، أما بقية وكالات الأمم متحدة فلم نسمع منها سوى بعض الوعود التي لم تتحقق حتى الآن». وقال وزير حقوق الإنسان اليمني أيضاً: «الأممالمتحدة مطالبة قبل غيرها في هذه المرحلة أكثر من أي وقت سابق بأن تقوم بإعادة تقديم أعمال وكالاتها في اليمن، وأن تكف عن التدليل المستمر لميليشيات الحوثي وصالح الانقلابين التي تقوم بنهب المساعدات الإنسانية، إلى جانب أنها منعت فريق منظمة الصحة العالمية من افتتاح غرفة عمليات لمكافحة مرض الكوليرا في صنعاء، وغير ذلك من أعمال النهب للمساعدات الإغاثية والإنسانية وبيعها لمصلحة ما يسمونه المجهود الحربي»، مؤكداً أن على الأممالمتحدة مراجعة وكالاتها في ما يتعلق بالتقارير التي تصدرها، خصوصاً ما يتعلق برصد وتوثيق حالات انتهاكات حقوق الإنسان، التي للأسف الشديد يقومون بتسجيل حالات كثيرة من المقاتلين على أنهم من الضحايا المدنيين، فلا بد من وقفة أمام ذلك كله، وعلى الدول المانحة مراقبة تلك الأنشطة عن كثب. المنظمة التي تعاقب على رئاستها تسعة أمناء منذ تأسيسها في تشيرين الأول (أكتوبر) 1945 في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، تواجه أيضاً انتقادات من مراقبين ومتخصصين في الشأن السياسي والعلاقات الدولية، وذلك بعد فشل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في إدارة الأزمة اليمينة، إضافة إلى تقديمه عدد من التقارير التي وصفت ب«غير الدقيقة». كما طرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيري على مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي تقريراً بعنوان: «الأطفال والنزاعات المسلحة»، يتضمن قائمة بالذين لهم مسؤولية في انتهاكات حقوق الأطفال خلال القتال الجاري في اليمن، وأدرج أنطونيو غوتيريس في القائمة قوات التحالف العربي بقيادة المملكة الداعمة للشرعية في اليمن، في تقرير وصف ب«المضلل»، إذ عبّرت الحكومة اليمنية عن رفضها ما جاء في التقرير، كما أعلنت قوات التحالف العربي عن رفضها للتقرير رفضاً قاطعاً وقالت إنه يتضمن معلومات «خاطئة ومضللة»، فيما يرى مراقبون أن التقرير الأخير الذي صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس جاء امتداداً لأعماله «المسيسة»، مشيرين إلى أن غوتيريس لم يوفق في إنجاح مهمته بتقديم تقرير ذي «صدقية»، مؤكدين أن الأمين العام للأمم المتحدة الذي يعد الحامل الرسمي لكلمة الأممالمتحدة وقائدها الفعلي عرف بضعف إدارة الملفات التي أوكلت إليه وفشل في معظمها، كما عرف عنه عنصرية مقيتة في التعامل مع اللاجئين حينما شغل منصب رئيس مفوضية اللاجئين في الأممالمتحدة، وأثناء عمله أميناً أهمل القضية الفلسطينية وتجاهل معاناة الروهينغا وأفشل العمل الإغاثي الإنساني للأمم المتحدة، يضاف إلى ذلك اختراق إدارته من أحزاب ومنظمات في اليمن لإدراج تقارير وإحصاءات مزورة. بدوره، قال أستاذ الإعلام السياسي رئيس قسم الإعلام المتخصص الدكتور عبدالله العساف ل«الحياة»: «تعاني الأممالمتحدة من مرضين مزمنين الهرم والفساد وكفى بهما معوقاً عن العمل والإنتاج، من دون أن يكون هناك من يقود الهرم حتى لا يتعثر في خطواته ومن يستغل الفساد لفرض إملاءاته، ولعل هذين السببين وربما غيرهما ما دفع بالرئيس الأميركي ترامب قبل ثلاثة أسابيع ومن على منصة الأممالمتحدة المطالبة بإصلاحها». وأضاف: «إدارة الأممالمتحدة موجهة ومسيسة وتعمل على خدمة وتنفيذ أجندات ومصالح دول وجماعات بعينها، فهي لم تتعلم من أخطائها، ففي العام الماضي اضطر بانكي مون لسحب تقرير مماثل بعد خمسة أيام من صدوره، لأنه كهذا التقرير بني على معلومات مغلوطة ومضللة ومن مصدر وحيد ومشبوه وهو الحوثي، ولم تكلف نفسها بالتثبت منها أو طلب ما لدى التحالف الذي أقرت الأممالمتحدة بأنه يتخذ التدابير الكافية لحماية المدنيين، ومنهم الأطفال الذين يجندهم الحوثي ويستعملهم كدروع بشرية، ومع ذلك لم تتعرض لها الأممالمتحدة وغضت الطرف عن انتهاكاتها في القتل والتعذيب والاختفاء القسري لكل من يخالفهم، وتدمير البنى التحتية واستخدام المدارس والمستشفيات ودور العبادة مراكزا لعملياتهم، إيماناً منهم بأن التحالف لن يقترب منها بحال». وتابع العساف: «هناك أكثر من 15 ألف جريمة بحق الإنسانية ويعاقب عليها القانون الدولي الإنساني وبعضها يصنف كجرائم حرب غضت الطرف عنها الأممالمتحدة لأهداف خاصة، فالكيل بمكيالين هو منهج هذه المنظمة الأممية التي آن الأوان لتجديد وبعث الحياة في مفاصلها وتنقيتها من الفساد، ومراجعة أنظمتها وطرق معالجتها للقضايا التي لم تقلق لأجلها الأممالمتحدة كقضية فلسطين وسورية والروهينغا، وإسقاط الجنسية عن السكان الأصليين في قطر». وأكد العساف أن تقارير الأممالمتحدة المنصفة لا تزال تتحدث عن التواصل المستمر من التحالف مع مختلف منظمات الأممالمتحدة، والتنسيق معها لتوفير الضمانات وإيصال المساعدات الإغاثية التي يقدمها مركز الملك سلمان للإغاثة بالبلايين (أكثر من 8 بليون دولار منذ 2015 وحتى اليوم)، التي يعوق الحوثي وصولها ويسرق ما تصل إليه يده منها، ومع ذلك ترفض الأممالمتحدة استلام مطار صنعاء وميناء الحديدة، وهي تدرك كما يدرك العالم أجمع أن الجانب الإنساني هو الحائل الأكبر دون حسم المعركة مع الانقلابي الحوثي، وهو ما أشار إليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فيما قال المحلل الكاتب السياسي عماد العالم ل«الحياة»: «الأممالمتحدة تمارس ازدواجية غير مقبولة في الشأن اليمني، ففي حين اختفى الملف الموثق والمقدم لها شاملاً ما يكفي من الأدلة لإدانة متمردي الحوثي والمخلوع صالح وميليشياته المتمردة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، تقوم أطراف تابعة للوبيات ضغط مشبوهة بإصدار ما سمته باللائحة السوداء التي أدرجت التحالف العربي لدعم الشرعية، في خطوة المقصود منها إدانة الحكومة الشرعية في اليمن وقوات التحالف العربي المناصرة لها، وهو الذي اعترضت عليه الحكومة اليمنية وعابت عليه اعتماده في مصادرها على سجلات وزارة الصحة والمستشفيات المسيطر عليها من جماعة الحوثي، التي تتعمد تزوير السجلات وتزويد الأممالمتحدة بأرقام مزورة وغير صحيحة». وأضاف: «مجريات الأحداث والقضايا الشائكة التي ورثها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من سابقه، تثبت أنه أمين صوري فشل في التدخل بفعالية وإيجاد حل لأزمة اليمن، فقرر خلط الأوراق عبر إثارة الفتن والتلاعب بحقيقة ملف حقوق الإنسان في اليمن عبر تصديقه لما قدم له من تقرير مفبرك حول التحالف الذي لم يتحل بالصدقية الكافية المعتمدة على التحري الذاتي لجمع المعلومات، وإنما استدل بأدلة من أحد الفريقين المتحاربين وهو الحوثي الذي عمل على المبالغة بها وتزويرها، نائياً بنفسه عما ترتكبه ميليشياته وأفرادها من جرائم لا إنسانية ضد شعبهم اليمني».