لم تعد أوضاع تجارة المواد الأولية «مزدهرة» كما في السابق، لا بل باتت محاطة بتقلبات وشكوك تقلق حتى أكبر المصارف العالمية، ومن بينها «يو بي أس» و «كريديه سويس» السويسريان. فيما تراجعت الأرباح في النصف الأول إلى مستويات هي الأدنى منذ أكثر من عشر سنوات. إذ بلغت أرباح أكبر 12 مصرفاً حول العالم وبينها المصرفان السويسريان وبنوك أميركية وأخرى في منطقة اليورو، 1.3 بليون دولار في النصف الأول، أي أنها هبطت بنسبة 41 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، و25 في المئة مقارنة بعام 2011. ويبدو أن مصرف «غولدمان ساكس» الأميركي لعب دوراً كبيراً في توليد موجة ارتدادية سلبية على مصارف العالم الأميركية والأوروبية والسويسرية. إذ سجل المصرف أسوأ أرباح في قطاع المواد الأولية بين آذار (مارس) وحزيران (يونيو) الماضيين. في موازاة ذلك، انهارت الأرباح الناتجة من الفوائد الثابتة أكثر من 40 في المئة. علماً أن مصرف «غولدمان ساكس» هو الأول عالمياً في تجارة المواد الأولية، ويستحيل تخلّيه عن هذه التجارة على عكس ما حصل مع مصارف أخرى حول العالم، قررت الانسحاب منها أو تقليص درجة انكشافها عليها. في ما يتعلق بقطاع الطاقة، باشرت المصارف السويسرية الانسحاب تدريجاً من أعماله التجارية على غرار مثيلاتها الأجنبية، نظراً إلى الأداء المخيب للآمال والقوانين التنظيمية التي تشدد الخناق أكثر فأكثر على كل المصارف العالمية، بسبب معوقات مصدرها الاحتياط الفيديرالي الأميركي. أما عائدات المصارف السويسرية الكبيرة والمتوسطة، فهي وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ العام 2006. ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى ضعف القطاع الطاقوي، خصوصاً ذلك المتعلق بالغاز الطبيعي نتيجة تقلبات أسعاره «الخفيفة» ونشاطات الزبائن المتواضعة جداً حالياً. إلى ذلك، لم تنتعش التجارة بالسلع النفيسة مثل الماس والذهب في شكل ملفت هذه السنة، إذ تعوّل المصارف عادة على البنك المركزي لشراء سبائك الذهب في شكل آمن. لكن الإجراءات الأخيرة جعلت الحركة التجارية بسبائك الذهب شبه مشلولة. وتحاول البنوك السويسرية إعادة إنعاش خططها الاستثمارية، بديلاً من هذه التجارة في الأميركتين الوسطى واللاتينية. إذ تتجه الأوضاع الأمنية في كولومبيا مثلاً إلى تحسن ملفت نتيجة الاتفاق الحكومي مع منظمة «فارك». وهذا يشجّع الاستثمارات المصرفية السويسرية، خصوصاً أن بعض مناطقها غنية بالمواد الأولية مثل الذهب وغيره، ومتعطشة لاستقطاب استثمارات أجنبية لتحسين الأوضاع الاجتماعية، وتوليد فرص عمل للشباب. واستناداً إلى مصادر مصرفية رفيعة المستوى في برن، تتعاون المصارف السويسرية الكبيرة في ما بينها، لبناء موطئ قدم لها في أميركا اللاتينية، يعتمد على تأسيس فروع صغيرة لها لإدارة الثروات، وتركيز الاستثمارات على أعمال استراتيجية في المواد الأولية. وتُقدّر كلفة هذه التوظيفات بنحو 230 مليون فرنك سويسري في بداية الطريق، قبل التوسع إلى غد تجاري واعد على كل المستويات.