قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار 22 آذار (مارس) يوماً عالمياً للمياه عام 1993. والهدف من هذا اليوم، تسليط الضوء على أهمية المياه والحفاظ عليها والسعي إلى إيجاد مصادر جديدة وإدارة مستدامة لمياه الشرب. وهذا العام، تتركز الاحتفالات الرسمية في مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا، وتنظمها لجنة الأممالمتحدة المعنية بالموارد المائية (UN -WATER) بالتنسيق مع برنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية (UN-HABITAT). أما في بيروت، فتنظم «إسكوا» هذا المساء برعاية وزير الطاقة والمياه اللبناني جبران باسيل، وبالتعاون مع المعهد الفيديرالي لعلوم الأرض والموارد الطبيعية في ألمانيا (BGR) وجمعية أصدقاء إبراهيم عبد العال، ندوة حول «المياه للمدن: استجابة للتحدي العمراني في منطقة إسكوا». وارتأت تسليط الضوء على بعض جوانب هذا الموضوع التي تعني المنطقة خصوصاً. تشهد منطقة «إسكوا» حالياً نمواً مُدنياً كبيراً يتمثل في توسع سريع للمدن واستحداث مراكز جديدة. والنمو الذي تشهده المنطقة العربية للمناطق المُدنية لا سابق له، حيث يقطن اليوم نصف مجموع سكان منطقة «إسكوا» في المدن، ويُتوقع ازدياد هذه النسبة إلى الثلثين عام 2040. ويعتبر هذا النمو السريع تحدياً كبيراً في المنطقة، لأنه يؤدي إلى ضغوط في تقديم الخدمات الأساسية للسكان خصوصاً في توفير الموارد المائية بالكمية والنوعية المناسبتين. إن نسبة النمو الحضري والتوسع العمراني غير المنتظم، تجاوزت نسبة المتاح من التمويل الاستثماري للتوسع في منشآت إمدادات المياه والصرف الصحي، ما أدى إلى نقص في تزويد السكان بخدمات المياه في بعض أماكن المنطقة. إذ يشير تقرير التقويم الإقليمي لأهداف الإنمائية للألفية الصادر عام 2010، إلى أن 57 مليون شخص من سكان الدول العربية، يمثلون 17 في المئة من مجموع سكانها القريب من 345 مليون نسمة، لا يمكنهم الحصول على مياه الشرب من مصادر محسنة، كما لا يمكن 76 مليون شخص (22 في المئة) من مجموع السكان الحصول على وسائل محسنة للصرف الصحي. وعلى رغم ذلك، فإن وضع تغطية الخدمات المحسنة في المناطق الحضرية أفضل بكثير، قياساً الى المناطق الريفية حيث يحصل 100 في المئة من سكان المدن في بلدان كالبحرين ومصر والكويت ولبنان والإمارات، على إمداد مياه الشرب من مصادر محسنة، كما قُدّرت نسبة تغطية خدمات الصرف الصحي المحسنة ب 88 في المئة لسكان المدن العربية و64 في المئة لسكان المناطق الريفية. إلاّ أن توافر منشآت المياه والصرف الصحي، ربما لا يعني بالضرورة حصول السكان على الخدمات بالشكل المناسب، إذ تواجه الشبكات القائمة ضغوطاً تؤثر سلباً على الأداء، فتُهدر المياه عبر الشبكات بسبب سوء صيانتها وتصدع أنابيبها وتقلبات في ضغط المياه. وتتفاقم هذه التقلبات بسبب تبني تقديم خدمات المياه في شكل متقطع إلى أجزاء الشبكة المختلفة، والناتج عن ندرة المياه من مصادرها أو عدم القدرة على تخزينها أو ارتفاع تكاليف الطاقة المطلوبة لضخ المياه. ولا تؤدي هذه العوامل إلى هدر المياه فحسب، بل تسبب انخفاض العائدات لمرافق المياه، ما يحد من قدرتها على مواصلة الاستثمار للتوسع في خدمات المياه والصرف الصحي، كما يفضي تصدع شبكات تجميع مياه الصرف الصحي إلى تسربها وإمكان تلويث شبكات مياه الشرب، ما يمكن أن يهدد الصحة العامة. ويؤدي التوسع العمراني السريع من دون تجهيز المدن ببنية تحتية ملائمة، إلى الإضرار بصحة الإنسان وبمصادر المياه الشحيحة أصلاً. ففي مدن عربية كثيرة، تُصرف مياه الصرف الصحي المنزلية والصناعية غير المعالجة مباشرةً إلى الأنهار والشواطئ، ما يسبب تدهور نوعية المياه السطحية والجوفية والنظام الإيكولوجي الساحلي. فضلاً عن ذلك، تؤثر عوامل أخرى على الموارد المائية في المدن كضعف آليات التخطيط العمراني وانخفاض معدلات تغذية المياه الجوفية من مياه الأمطار، وعدم وجود أنظمة ملائمة لتصريف مياه العواصف، التي تزيد تعرض المدن العربية للكوارث الطبيعية والفيضانات. إن عنوان اليوم العالمي للمياه لهذه السنة «المياه للمدن: استجابة للتحدي العمراني»، فرصة لمناقشة كل هذه التحديات وتذكير أصحاب المصالح، بضرورة إيجاد الحلول الملائمة لإدارة المياه في مدن المنطقة. وساهمت «إسكوا» في مواجهة تلك التحديات. فأصدر المجلس الوزاري العربي للمياه، قراراً بدعوة «إسكوا» بالتنسيق مع شركاء إقليميين، إلى إعداد مبادرة تتضمن مجموعة من المؤشرات الموحدة للمنطقة العربية المبنية على تحقيق الغاية المتعلقة بإمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي، من الأهداف الإنمائية للألفية. ونالت هذه المبادرة اهتماماً خاصاً، إذ أُشير إليها في القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في شرم الشيخ مطلع السنة. * إدارة التنمية المستدامة والإنتاجية في لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)