فرضت الأحداث التي تشهدها ميادين عدد من البلدان العربية نفسها، في اليوم العالمي للشعر، الذي يوافق اليوم (الاثنين) 21 آذار (مارس). واعتبر عدد من الشعراء السعوديين، أن اليوم العالمي للشعر حضر باكراً في الوطن العربي هذا العام، في إشارة إلى أن ما يحدث من ثورات للشباب لا يختلف عن الشعر، أو هو أحد وجوهه، أو تجلياته. فثورة الشباب لا يعني عند بعض الشعراء، سوى تلك العلاقة السرية السافرة، اللحظية والسرمدية في آن بين الشعر وبين الحرية. «الحياة» استطلعت عدداً من الشعراء والشاعرات في يومهم العالمي، فكانت هذه الشهادات. فوزية أبوخالد: بالشعر أعيش أكثر من حياة دفعة واحدة لا بد من أنك تعلم - كما يعلم العالم - أن يوم الشعر العالمي قد بكر كثيراً في العالم العربي هذا العام، ولا بد من أنك تعلم - كما يعلم العالم - أن يوم الشعر العالمي تعدد هذا العام على الخريطة العربية وأرسل شموسه المتعددة لتعيش وسط الناس ليلاً نهاراً. فلم يعد الشعر يوماً يتيماً يمر متلصصاً متلفتاً بعالمنا العربي، فلا يجد إلا تلك الشوارع التي أفرغت خصيصاً في يوم الشعر العالمي، خشية أن يغرر مروره الجارف بقلوب العذارى أو يؤدي إلى تمرد العاطلين وشفاء المرضى بالاستسلام، أو يحرض إيقاعه على الخروج من كهف الهزائم والانكسار. لا يعني هذا الكلام تحميل الشعر أو ترشيحه لتحمل أي وظيفة سياسية أو اجتماعية، فقد خسر كثيراً كل من راهنوا على توظيف الشعر، بل أن طائر الشعر انفلت من مثل هذا المحاولات الفاشلة ولم يترك في أيديهم إلا أشباهاً تسمى نظماً، وهي ليست من روح الشعر أو ريشه في شيء. ولكن ما يعنيه بكور يوم الشعر العالمي في عالمنا العربي هذا العام، وتعدد أيامه من 25 يناير إلى 17 فبراير إلى سواها مما كان أو ما سيأتي من تواريخ، خروج الشعوب على مراحل التخلي عن نعمة الحرية هو بالضبط تلك العلاقة السرية السافرة اللحظية والسرمدية في آن بين الشعر وبين الحرية. فإذا كانت التجارب قد علمتنا أن الشعوب لا تحيا بالخبز وحده وإن عاشت مليون مليون عام، فإن الشعر الخالد لا يكتب أبداً إلا بحبر الحرية الفوار أو على رفيف أجنحتها في مفاتيح الكومبيوتر. يوم الشعر العالمي يغمس جناحاً في هذه اللحظة التاريخية من بداية العقد الثاني للألفية الثالثة بمخاضات الحرية وأعراسها بالعالم العربي، وينفض جناحاً على تلك التراجيديا الإنسانية الجارفة للشعب الياباني العظيم. وهذا هو ما يسمى بحال الإلهام الشعري التي يجدد فيها الإنسان عهده مع حب الحياة. ففي كلتا الحالين وسواها من حالات نشوة النصر أو ضراوة المقاومة ليس للإنسان غنى عن ذلك الكائن المرهف الشرس الذي لأجنحته ملمس حرير الحرية وبريقها الخطاف. فما قيمة الحياة من دون شهقة الجمال التي يطلقها الشعر في أرواحنا؟ فأنا أقرأ وأكتب الشعر لأعيش أكثر من حياة دفعة واحدة. بديعة كشغري: اشتعال ضمائر الشعوب قاب اشتعال ضمائر الشعوب العربية ونزفها من أجل الحرية والتغيير يأتي «يوم الشعر العالمي» هذا العام فلا ندري هل نحتفي بالشعر كطاقة خلاقة أم نحتفي بتلك «الروح الثورية» التي تتماهى، في تأجج بوحها وهدير حناجرها مع «روح الشعر» وجمالياته كلازمة إنسانية قبل أن تكون «لازمة فنية». وفي نص عنونته «سيرة شعرية» كان الحرف والسؤال يتماهيان مع قدر الشاعر: «ولدت وفي الثغر حرفٌ/ على شفتي سؤال» هذا الحرف هو حرف المعرفة أما السؤال فهو مشاغبة النفس مع أمداء المجاهل التى أحاطت بها مذ شهقت الأوكسجين الأولى. وعودة إلى مناخات الثورات العاصفة في عالمنا العربي أخيراً، ثمة أبعاد إنسانية وعالمية - كما أراها - كانت قادرة على توحيد الوجدان العربي، حيث استطعنا أن نلج بها ومعها إلى عنفوان الحلم بما له من «خاصيةش شعرية»، تلامس العمق المعنوي في كينونتنا، بل وتحدد مسار صيرورة كرامتنا الآدمية. لقد شهد التاريخ ملحمة شعرية من نوع التراجيديا تمثلت في إضرام «البوعزيزي» النار في جسده المكافح من أجل لقمة العيش. ثم رأينا «الورود» في ساحات «التحرير» أو التغيير: تؤسس لنسق سلوكي يحمل الكثير من رمزية الشعر وعبقريته الرسالية. لقد قرأنا بل عايشنا الشعارات التي رفعها شباب الثورة بعضها جاء على صورة أهازيج شعرية، وإن كانت على المستوى المبسط للغة المحكية مثل: «شدي حيلك يا بلد/ الحرية بتتوَلدْ» إلا أنها كانت تلامس المشاعر وتذكي الهمم ليس للملايين التي كانت تقف بميدان التحرير فقط، بل تتعداها إلى إذكاء تلك الأجساد التي كانت تتسمر أمام شاشات التلفزيون، متابعة الحدث. عبدالله الصيخان: غياب القصيدة العربية يوم الشعر.. أن نتذكر أننا شعراء وبهذا نؤسس ذائقة جديدة وعقولاً يرشح الشعر من مسامها، لتبدع في مجالها مساحة بذوق وخيال الشعر. كنت أستمع قبل قليل إلى مغن شعبي وكان يغني بشغف وإخلاص نادرين للشعر الصافي المصفى. وكنت أقول لصديق في رسالة «فيسبوك»، أرسلت له رابط الأغنية، إنني أستلهم مثل هذا الغناء الشعبي و«أفصحنه» في اللاوعي. أعيد إنتاج بعض شواضه الفاتنة في قصيدتي من دون أن أدري ومن دون أن تنم قصيدتي عن سرقه، أو قطع طريق شعري الشعر الجميل يمد يدا للشعر الأجمل دائماً، إنه الإصبع التي تشير إلى القمر ولكنها لا تناله بل تنال جماله. هكذا يبدو لي الشعر في يومه هذا العام. كأنما نتشبث بالنقي من الشعر في أبسط وأجمل صوره (الشعبي والنبطي)، لكي لا نفقد ديواننا بعد أن أصبحت القصيدة العربية. غائبة إلا نادراً، كما هي قيم العرب الأولى، الوفاء والرحمة وإغائة الملهوف والنخوة والكرم، أو كأنما نحن نتراجع خلف متراس الشعر أمام انهيار الشعرية العربية في خابية الشكل، وفراشة المضمون أو عن سطحية القارئ وتعالي النص المزعوم. عبدالله الزيد: الشعر ليس في حاجة إلى الاحتفال هناك سؤال أو هو استفهام يتشكل في مفتتح هذا التناول يقول: «هل الشعر في حاجة إلى يوم للاحتفال به أو لاستحضاره والاهتمام به ؟؟!!! أتصور أن ذلك معادل كوني لمسألة أن يقال: إن الإنسان بأي لغة وبأي ثقافة في حاجة إلى يوم سواء كان عالمياً أو إقليمياً من أجل أن يحتفل بذاته وتكوينه أو أن يستحضر روحه وجيناته..!! لست أدري فعلاً كيف يمكن قبول أو استيعاب مثل هذه الصيغ ومثل هذه السياقات التي يخيل إلى المتلقي وبخاصة الشاعر أنها تستخف أو تتندر بوجود عبقري أو تكوين استثنائي مثل وجود الشاعر أو تكوين الشعرية. أقصد أني هنا لست في حاجة ماسة إلى يوم عالمي أحتفل فيه بمنجز أو بوجود بدهي لا يحتاج أصلاً إلى مثل هذه الأيام أو المناسبات فمن غير المعقول أن نشير مثلاً إلى أن نتوق إلى أن نحتفل بالإنسان أو بالحياة - غير أني في توق شديد إلى أن تفهم مجموعة من المتنكرين للقيم والحياة وللإنسان وللشعر والشعرية هذه الرسالة، أي ماذا يعني أن تلجأ البشرية إلى يوم تحتفل فيه بطعم الإنسان ولونه ورائحته، لقد مر حينٌ من البلادة قيل فيه «إن هذا ليس زمن الشعر» إنه خزي لا مزيد عليه. محمد عابس: أكثر التصاقاً بالإنسان يأتي اليوم العالمي للشعر نوعاً من التقدير والإجلال والاحترام لهذا الفن الأصيل، والأكثر التصاقاً بالإنسان منذ العصور البدائية، الشعر عالم من الجمال والروعة وسيمفونية لا منتهية من اللذة والمتعة، الشعر سيد الفنون والموحي الأهم للبشرية لاستحداث فنون أخرى استمدت مشروعيتها من هذا الكائن الأسطوري (الشعر). وإذا كنا في هذا اليوم نحتفي بالشعر ونتذكر أجمل ما يمثله من نماذج ما زالت حية في أذهان الناس حتى اليوم، فإنه لا بد من الوقوف احتراماً لأسماء حلقت بالشعر وأضافت إليه ورسخت حضوره عبر العصور المختلفة، ليس من المعقول أن ننسى شعراء كباراً على مستوى العالم مثل هوميروس وبودلير ورامبو وكوليردج ووردزوورث وإليوت وادجار ألن بو وطاغور وامرئ القيس والشنفرى والمتنبي وأبي العلاء المعري وبشار وأبي تمام، وعشرات الشعراء العمالقة الذين أسهموا في تغيير العالم وأضافوا حضوراً حفظه التاريخ لعالم الثقافة والفن والإبداع. إبراهيم الوافي: حضور المتنبي وسفر الإنسان الشعر في ذاكرتنا الشعرية المحضة، نبوءة الغياب وحضور المتنبي، غياب الحضور وسفر الإنسان للشمس قبيلة الريح وسر تعلق بصر البدوي بالسماء. لن ادعي أن الشعر أولى من الخبز. ولا أن كتابة قصيدة أجدر من اختراع الحبر الذي نحمِّمها به قبل دخولها مجلس التاريخ، ولا أن الشاعر أولى من الشارع الذي تكنى به! لكن الحياة ذاتها حقيقة الشعراء. ولهذا يقدمونها في رحلة البحث عنها عبر ذواتهم من خلال احتراقهم بالجوهر الإنساني المتوهج! الشعراء تعرَّوا للحياة، فقدموا ذواتهم حلا حين جعلوا من شكوكهم يقيناً، ومن عيونهم مخابئا مكشوفة للمراوغين وتجار النهايات! تصعلكوا في شوارعها الغامضة ثم تركوا ظلالهم على جدرانها المرتكبة. يتساءلون من دون أن يجيبوا ومن دون أن يؤكدوا أن نصف الإجابات الحقيقة، ونصفها الآخر سؤال يبحث عنها في إجابته! الشعراء قدَّموا الحياة حقيقة على طبق من تعب. وآثروا عدم الاعتراف بها إلا من خلال سيرهم المليئة بالشوك والورد، بالحب والعذاب، بالرحيل والملل بمدن التناقضات والتواريخ المغناة. محمد خضر: عنوان مضيء في رحم الخلود ربما أنا لا أكترث كثيراً لأيام مشابهة يحتفل بها المرء حتى تلك التي تمس حياته عن قرب، بقدر إيماني بأن نحتفل بهذا اليوم تحديداً. يوم الشعر العالمي. الشعر هذا الكائن العملاق الذي يستمر صامداً وعنواناً مضيئاً في رحم الخلود. ربما علينا اليوم أن نصمت ونترك الشعر وحده ينوب عنّا. أن نتوقف عن كل شيء سوى جلال الكلمات والوقوف مع الشاعر على حافة الشعر وفي صميمه. الشعر الذي يعبر عن هموم إنسان اليوم والشعر هذا الضمير الأبيض لكل ما ينبغي أن يقال وما يجب أن يقال. الشعر الذي يبقى صافياً ونقياً من كل شوائبه مع شعراء استطاعوا أن يخلصوا هذا الكائن الجميل من كل ما قد يعوق ديمومته وحياته. من الأيديولوجي والمباشر والخطابي إلى ما يمس الإنسان في حلمه وآماله، بعيداً عن رجاء أكبر منه، هو الشعر السفر الباقي عبر أزمنة مضت وأزمنة ستجيء. ليس علينا أن يكون هدفاً بحد ذاته وليس علينا أن نستخدمه نفعياً وحتى معرفياً في إسقاطه على خساراتنا وخيباتنا وتوظيفه كشعار يموت بعد قليل.