النكات السياسية التي انتشرت في الفترة الأخيرة كالنار في الهشيم عبرت من الخليج إلى المتوسط فقط، ولم تقطع مضيق جبل طارق للوصول الى المحيط تخليداً للعبارة الشائعة «من الخليج إلى المحيط». وكما لو أن تلك النكات تعارض، بطبيعتها، تطابق الأفكار بين أهل المشرق وأهل المغرب، فلا روح نكتة لافتة في صفوف المغاربة هذه الايام، على رغم أن الساحة السياسية هنا غير راكدة، والشوارع تشهد احتجاجات واعتصامات ومواجهات مع الأمن، لا سيما منذ تظاهرات حركة 20 شباط (فبراير) الفايسبوكية التي تكللت في 9 آذار (مارس) بإعلان تعديل دستوري تنازل فيه الملك عن صلاحيات كثيرة. وإذا كان غليان الشارع السياسي العربي توازيه فورة لافتة في إنتاج النكات السياسية القوية والحاملة لجرعات عالية من الجرأة، إلا أن الواقع السياسي المغربي شبه راكد حالياً ولا يبدو أنه يلهم روح التهكم المعروفة عن المغاربة. ويظهر أن سيل النكات السياسية العربية غير المسبوقة، بفضل إدخال تكنولوجيا المعلومات والسمعي البصري عبر الانترنت، جعل المغاربة مكتفين بالنكات القادمة من الجوار المغاربي (تونس وليبيا) والمشرقي (مصر أساساً)، يتناقلونها في ما بينهم على نطاق واسع، ويتطلعون إلى آخر إصداراتها بالاهتمام نفسه الذي يتابعون به تطورات أوضاع الثورة على الخريطة العربية. ولم ترُج نكات مغربية في هذا السياق، اللهم نكات معدودة، أبرزها يكشف أن وراءها الجمهور الرياضي الواسع، ولو أن الدارسين يؤكدون أن تحديد صانع النكتة أمر مستحيل، لأن لا أحد يملكها في اللحظة نفسها التي تحكى فيها، بمن في ذلك مالكها أو مالكوها الأصليون. تدور النكتة حول مصر في الفترة التي لجأ فيها الرئيس المتنحي حسني مبارك إلى القوة لإخماد الثورة. تقول النكتة إن الرئيس مبارك اتصل بالملك محمد السادس يطلب منه مده بالجيش لتفريق المتظاهرين، فرد عليه الملك بأن الجيش «عيّان» (تعبان) هذا العام، واقترح عليه «الرجاء البيضاوي». والرجاء والجيش الملكي هما من أقوى أندية كرة القدم المغربية والإفريقية، لكن فريق الجيش حقق أخيراً نتائج هزيلة أحبطت مشجعيه. نكتتان أخريان راجتا عن ليبيا تؤرخان لمرحلتي بداية الثورة «السلمية» ضد نظام العقيد معمر القذافي ثم تحولها عدواناً ضد الشعب. الأولى لا يُعرف إن تم استنساخها من شخصية أخرى غير القذافي أو أعيد إحياؤها لكونها تتحدث عن الملك الراحل الحسن الثاني، أم أن الضرورة الظرفية اقتضت ذلك. تحكي النكتة أن القذافي جال على مؤسسات تعليمية في المغرب، ولاحظ أن المدرسين يضعون علامات «حسن، مستحسن وحسن جداً» لتقويم عمل التلامذة، فشعر بالغيرة وهو «ملك ملوك إفريقيا»، فأصدر قراراً لجميع المدرسين الليبيين باعتماد علامات «قذافي، مستقذف وقذافي جداً». وتروي الثانية أن حماراً فر من ليبيا ووصل منهكاً إلى نقطة حدودية تسمى «زوج بغال» تربط بين مدينتي مغنية الجزائرية ووجدة. سأله الحرس عن دوافع هجرته ورعبه، أجاب أن القذافي أعطى أمراً بذبح كل البقر، فنبهه الحرس إلى أنه حمار وليس بقرة، فرد عليهم: «أقنعوا القذافي بهذا الكلام». وواضح أن ذكاء هذه النكتة السياسية راعى استحضار الحيوان حتى بالنسبة الى نقطة الحدود «زوج بغال»، وهو تحريف لاسم «جورج بيغيل» أحد العسكريين الفرنسيين في فترة الاستعمار، إمعاناً في السخرية وتذكيراً بسوء مآل المعتدين على الشعوب. الحسن الثاني يحب الضحك ويفسر شح روح النكتة السياسية لدى المغاربة في الفترة الحالية خلافاً لما هو ملاحظ في بلدان مغاربية وعربية أخرى بأن النكتة السياسية تنتعش في فترات الأزمات التي يصاحبها قمع حرية التعبير، والحاجة الشديدة إلى قنوات آمنة للتعبير، ليس فقط للتنفيس عن القهر والظلم، وإنما أيضاً لتمرير رسائل للحاكمين والنافذين، بدليل رواجها في عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي اتسمت مرحلة حكمه بالشدة وتضييق الحريات وسجل رصاصي في معاملة المعارضة السياسية والحقوقيين، علامته الفارقة ما اصطلح عليه ب «سنوات الرصاص». وهي العوامل ذاتها التي خففت من وطأة النكتة السياسية على خلفه الذي تجاوزها بالاعتراف بأخطاء الماضي وتشكيله هيئة ل «الإنصاف والمصالحة»، سمحت للضحايا وأهاليهم بالتعبير في جلسات عمومية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرضوا لها في تلك السنوات الرصاص على يد مسؤولين في الدولة، وذلك في شكل علني اعتبر الأول من نوعه في العالم العربي والإسلامي. فضلاً عن ترويجه صورة مختلفة لملك يُهاب ولا يرهب، تكاملت ملامحها بخطابه الأخير الذي استجاب لمطالب مهمة رفعها المتظاهرون. المفعول الكاتم للسعات النكتة السياسية يظهر أيضاً بتوسع هامش الحريات والحقوق في عهد الملك محمد السادس، وإن بتذبذب، قد ترمز إليه حكاية يقال إنها واقعية ولكن شكلها ساخر، إذ قبل أكثر من سنتين، صار هناك تضييق على المدونين الشباب، وحكم على أحدهم بالسجن «لإظهاره عدم الاحترام الواجب للملك» (حكم تم إبطاله لاحقاً) ولانتقاده عادة الهبات والمنح الملكية. وبناء عليه، تحكي القصة - النكتة أن شاباً مصاباً بالجنون خرج إلى الشارع يتلفظ بألفاظ غير لائقة في حق العاهل المغربي، وكانت أمه تلاحقه خائفة وهي تصيح قائلة للمارة إن ابنها يقصد ملك إسبانيا. ويسجل المهتمون بالنكتة السياسية في المغرب أن المغاربة لم يعانوا من قمع هذه الأداة التعبيرية، حتى في عهد الحسن الثاني، إذ يؤكدون أنه كان لا يتضايق منها، بل يتابعها ويضحك منها، فهي برأيهم، أداة جيدة لمعرفة نبض الشعب إزاء شؤون البلاد.