منذ أشهر، يقبع حوالى مئة مقاتل معارض سلموا أنفسهم إلى السلطات ل «تسوية أوضاعهم»، في معتقل موقت في مدينة حمص، يسكنهم القلق في حال الإفراج عنهم، من أن يتم توقيفهم مجدداً على أيدي قوات النظام السوري، أو أن يقعوا ضحية «انتقام» رفاق سابقين يعتبرونهم «خونة». ومنذ بدء عملية خروج المدنيين والمقاتلين من مدينة حمص في شباط (فبراير) الماضي بعد حصار أحيائهم من قوات النظام استمر سنتين، تحولت مدرسة الأندلس عند طرف المدينة إلى ظاهرة فريدة في سورية منذ بدء النزاع قبل ثلاث سنوات يحتجز فيها بحراسة جنود، مقاتلون وناشطون سئموا مقاومة الجوع وخوض معركة مجانية من دون أي أمل بوصول الدعم، فسلموا أنفسهم مقابل وعود بالعفو عنهم. حصل ذلك قبل قرار إخلاء حمص القديمة في شكل كامل بموجب اتفاق بين السلطات وممثلين من الكتائب المقاتلة في المعارضة المسلحة تم بموجبه خروج حوالى ألفي شخص معظمهم مقاتلون انسحبوا بأسلحتهم الفردية إلى ريف حمص قبل أسبوعين. وينظر عدد من المقاتلين والناشطين الذين فاوضوا على الخروج «مرفوعي الراس» وغيرهم من المعارضة المسلحة خارج حمص إلى أولئك المعتقلين في مدرسة الأندلس على أنهم «خونة». أما النظام فيقول إنه يسعى إلى «إعادة تأهيل» هؤلاء و»إعادة دمجهم في المجتمع». وقد مر في مدرسة الأندلس منذ شباط 1500 شخص تم التحقيق معهم، وتمت «تسوية أوضاع» عدد كبير منهم. إلا أن المعتقلين الذين لا يزالون في المدرسة حالياً يؤكدون أن 56 شخصاً من هؤلاء أعيد اعتقالهم، أو اختفى كل أثر لهم. ويعبر المعتقلون الذين تمكنت وكالة «فرانس برس» من زيارتهم بعد الحصول على إذن من مكتب محافظ حمص طلال برازي، عن خشيتهم من مصير مشابه في حال الإفراج عنهم. ويقول موفق شوفان، قائد مجموعة عسكرية سابقاً: «أوقف شقيقي بعد خروجه من الأندلس، علماً أنه كان سوّى أوضاعه، ومنذ ذلك الحين، أجهل مكان وجوده». ويضيف: «كنا نعتقد أننا سنحصل على عفو، إلا أن أسماءنا سلمت إلى أجهزة الأمن، وأوقف الكثير من الشبان بعد تسوية أوضاعهم». ويطالب بضمانات لعدم تعرض من تبقى من المحتجزين للشيء نفسه. وإلى جانب المعتقلين المئة الذين ينتظرون الحصول على أوراقهم، يبقى العشرات غيرهم ممن «تمت تسوية أوضاعهم» داخل المركز خوفاً من الاعتقال، أو من التعرض للخطف على أيدي ميليشيات موالية للنظام. في الإجمال، يشعر المحتجزون بأنهم خدعوا. ويقول أحدهم مقدماً نفسه باسم غانم، إن خالد التلاوي الناشط الذي زود وسائل إعلام عالمية بمئات أشرطة الفيديو حول أحداث حمص، «خرج قبل شهر، وأحيل إلى المحكمة العسكرية. اليوم، لا نعرف مكان وجوده». ويشير إلى أن خالد أقر خلال التحقيق معه، أنه أرسل أشرطة فيديو إلى قناتي «الجزيرة» و «العربية»، متسائلاً: «ماذا يريدون أكثر من ذلك؟»، ثم يضيف: «أنا لا أجرؤ على الخروج». ويرى الباحث في «منظمة العفو الدولية» (أمنستي إنترناشونال) نيل ساموندز أن «خطر حصول إخفاءات قسرية كبير» بالنسبة إلى المحتجزين في الأندلس، و»من الواضح أن الضمانات المعطاة إلى هؤلاء غير كافية». ويقول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبدالرحمن إن أسماء المفرج عنهم «تسرب من دون شك إلى مسلحين موالين للنظام يشتبه في أنهم ينفذون عمليات خطف». ويقر مدير مركز الأندلس عمار حشمي بأن عشرين شخصاً أوقفوا مجدداً بعد خروجهم وأحيلوا إلى القضاء، بسبب وجود «دعاوى مدنية» ضدهم. ويضيف: «هناك مواطنون ادعوا عليهم بتهمة خطف أحد أفراد عائلتهم. يمكن الدولة أن تصدر عفواً عنهم، لكن لا يمكنها أن تمنع مواطنين من التقدم بدعوى ضدهم». كما يشير إلى أن البعض تم توقيفه «خلال محاولته مغادرة البلاد في شكل غير قانوني». ويقول إن الذين فضلوا البقاء في المركز ليس لهم مكان يذهبون إليه، وهم يتلقون زيارات أساتذة جامعيين ورجال دين ليدلوهم على «الطريق الصحيح»، واصفاً المحتجزين التائبين بأنهم «كانوا من المغرر بهم». ويتجنب معتقلو مدرسة الأندلس بالإجمال انتقاد النظام. ويبدون في صحة جيدة، ولهم الحق في الاحتفاظ بهاتف محمول وبزيارات من أفراد عائلاتهم الذين يعرضون أنفسهم هم أيضاً للخطر. ويقول فراس (29 عاماً): «كان ابنا عمي في طريقهما لزيارتي، واختفيا. أخشى أن أتعرض للخطف أنا أيضاً». كما يسكن فراس خوف من نوع آخر، ويوضح: «معظم عائلاتنا موجودة في حي الوعر» الذي لا يزال في عهدة مقاتلي المعارضة، مضيفاً: «إذا انضممت إلى عائلتي، أخشى انتقاماً من الثوار الذين يعتبروننا خونة». ويبرر الرجال المحتجزون في الأندلس خطوتهم بالاستسلام إلى السلطات، ويقول زياد: «كنا جائعين جداً. في معظم الأحيان، لم يكن في إمكاني أن اقف على قدمي»، بينما يشير آخر إلى أن بعض قادة الكتائب كانوا يلجأون إلى الابتزاز، من طريق تقديم الطعام والأدوية لمن يقدم الولاء لهم. ويختصر موفق ما يكتنف هؤلاء الرجال الممزقين بين الخوف من النظام الذي قاتلوا من أجل إسقاطه، والخوف من رفاق انفصلوا عنهم مرغمين، ويقول بمرارة: «نحن مظلومون من الجهتين».