لم تكن أم علي التي تعاني من مشكلات صحيّة مُزمنة تعرف الأسباب التي دفعت أحد أقربائها، الذي يعمل طبيباً استشارياً في مستشفى حكومي إلى الانفعال، ما إن أبلغته بمراجعة طبية لها ب«اضطرارها لنقل كميّة من الدم في أحد المستشفيات الأهلية»، إذ اتصل الطبيب على زوج أم علي للتأكّد من صحّة ما قالته، موضحاً ما قد يصاحب ذلك من أضرار على صحّتها. وكشف عن السرّ في طريقة حصول المستشفيات الأهلية على الدمّاء التي تنقلها لاحقاً إلى المرضى، موضحاً أنها تكون من طريق «الشراء من العمال الوافدين، وقد لا تراعي ضوابط الفحص للتأكّد من سلامتهم». وأوقفت الحكومة السعودية عمليات شراء الدم من الدول الأخرى لسدّ حاجات مستشفياتها، بعد ظهور أول إصابة بمرض «نقص المناعة المكتسبة (الأيدز)، تم اكتشافها في العام 1984 لرجل سعودي نتيجة لنقل «دم ملوث» إليه. فيما ابتكرت طرقاً لتشجيع التبرّع بالدم من المواطنين، وقامت بدعمها من الجوانب الدينية والتعليمية والصحيّة للحثّ على التبرّع، إضافة إلى إيضاح الدور الذي يبرز أجر «إحياء الأرواح»، من خلال الآية الكريمة: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً). فيما بدأت الجهات الرسميّة والأهلية بالتفاعل وإقامة الحملات التطوّعية، إضافة إلى إنشاء الجمعيات الخيرية وبنوك الدم المنتشرة في المناطق كافة. أبحرت «الحياة» في عوالم «تجارة الدماء» في المستشفيات الأهلية ومع جمع المعلومات التي بإمكانها كشف لجوء المستشفيات والمستوصفات الأهلية إلى حيلة «شراء أكياس الدمّ»، اتضح أنها نتيجة «لامتناع بنوك الدمّ عن تزويدها بكميات الدم التي تحتاجها لإجراء الجراحات لديها»، ما دفع المستشفيات الأهلية إلى الشراء من العمال الوافدين، أو إطلاق نداءات مباشرة في أروقتها ل«بدء المزاد العلني»، وكسب «بائعي دماء» في مقابل مبالغ تصل إلى ألف ريال للكيس الواحد، في ظل «غياب الرقابة» التي لا تأبه لتعريض حياة المرضى إلى الخطر، وانتشار الأوبئة المؤدية إلى الوفاة. وكشف مسؤول يعمل في وزارة الصحّة أن «معظم المستشفيات والمستوصفات الأهلية تقوم بشراء أكياس الدم، ومن طريق فتح باب التبرّع في مقابل دفع المال للمتبرع». وبرر لجوء المستشفيات الأهلية إلى هذه الخطوة بأن «بنوك الدم الحكومية لا تقوم بدعمها بكميات من الدم تعادل حاجاتها، فهي تدعم المستشفيات الأهلية ولكن بحسب طاقتها». وذكر أنه يتم طلب الفصائل النادرة من الأشخاص الذين يحملونها في مقابل مبلغ مالي، لافتاً إلى أن أسعار الشراء تكون «بحسب الكمية، إذ تبلغ قيمة ال500 ملغرام ألف ريال، ولا يتم استقبال أصحاب فصيلة O+ للتبرع بالدم». بدوره، قال مدير المراكز الصحية في محافظة بقيق سالم اليامي في تصريح إلى «الحياة»: «إن شراء الدم يكون من مواطنين ومقيمين»، موضحاً أنه «يختلف من مستشفى إلى آخر، فيما تقوم بعض المستشفيات الكبيرة أثناء فترة عملها الرسمي بتوجيه نداءات للمراجعين، لطلب الفصائل التي تحتاجها، ما يدفع البعض إلى التبرع، طمعاً في المقابل المادي»، معتبراً ذلك «أمراً عادياً». وقال اليامي: «في بعض الأحيان يتم إجراء جراحات لمرضى ذوي فصائل دم نادرة». ولفت إلى أن فصيلة O+ تعتبر من أكثر فصائل الدم المتوافرة، ولا يوجد طلب زائد عليها، ما يجعلها مرميّة تحت الأدراج لمدة طويلة، لكثرتها وعدم الاحتياج لها. وفي المقابل تعتبر فصيلتا A- وAB من الفصائل النادرة جداًَ، ويندر وجود حامليها، ما يجبر بعض المرضى على دفع مبالغ تتجاوز آلاف الريالات، في مقابل سدّ حاجاتهم من أكياس الدم». وتتطلب آلية التبرع بالدم في المستشفى «تقديم المتبرّع هويّته وبياناته، يلي ذلك سحب الدم بعد التأكد من صحّته ومعرفة فصيلته، ويتم استقبال الدماء من الفصائل كافة. وذكر اليامي أن مراكز الرعاية الصحية الأولية «لا تستقبل متبرعين بالدم، ويقتصر التبرع على المستشفيات التي تحوي غرف جراحة». وأشار إلى وجود «خط تواصل بين المستشفيات وبنوك الدم، لتزويدها بالكميات المطلوبة وسد الاحتياج»، موضحاً أنه «في حال استخدام فصيلة معينة يتم طلب الفصيلة ذاتها، عوضاً عنها من بنك الدم مباشرة». وأوضح أنه «لا يوجد عجز لأكياس الدم في المراكز الصحيّة»، عازياً ذلك إلى أن «المتبرعين يأتون بأعداد هائلة، إضافة إلى أن المستشفيات تقوم أحياناً بفتح مجال التبرع وإطلاق حملات ميدانية في المجمعات والأماكن العامة، للوصول إلى المتبرعين في أماكن وجودهم». وذكر أن الفحوص تتم «للتأكد من خلوّ الدم من الأمراض المعدية والفايروسية»، موضحاً أنه يتم «رفض المتبرعين المصابين بمرض فقر الدم». وأشار إلى ضرورة أن يكون هناك «احتياطي 100 كيس دم من كل نوع في المختبر الإقليمي في الدمام، وهي فعلياً متوافرة حالياً وجاهزة للاستخدام»