أندلعت حرب ضروس في رحى الإنترنت و«الغروبات» المتخصصة، يقودها الباحث في مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور وفيق يونس المصري، ضد كتابات وآراء زميله عضو هيئة التدريس والكاتب الصحافي الدكتور حمزه السالم في «قروب عناية» الذي يضم الآلاف من المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الموافقة للشريعة. وعلى رغم أن المصري خريج فرنسا، كما أن السالم يحمل شهاداته من أميركا، إلا أن كلاً منهما قصر اهتماماته البحثية في مجال الاقتصاد والصيرفة الإسلاميين، وتميل كفة البحث والعمل الإسلامي انتاجاً وتأليفاً ومشاركة لصالح الدكتور المصري وهو سوري الجنسية، فيما يقتصر انتاج السالم على مقالات متتابعة ينشرها في زاويته في الصفحة الأخيرة في صحيفة «الجزيرة» السعودية التي استقر بها العام الماضي بعد تنقل بين «الرياض» ثم «الاقتصادية». وعلى رغم أن المصري لم يعلق على مقال أو قول محدد للسالم، إلا أنه يصِم السالم بموافقته للغربيين ويتهمه بالأخذ منهم من دون أدنى اجتهاد أو تفكير. ويقول: «من العجيب كيف أننا نحن المسلمين، فقهاء وخبراء، حمقى وأذكياء، نجتهد للاقتصاد الإسلامي، في ضوء القرآن والسنة وأعمال الأئمة والعلماء، ولا نخرج بشيء يستحق الذكر بنظر حمزة السالم. ومن الأعجب أن الغربيين لا يزالون يجددون نظامهم الاقتصادي ويبدلون فيه ويغبّرون، ويأتي اجتهادهم على الدوام موافقًا للشريعة، ومن دون رجوع إليها! إنهم مسلمون بالفطرة! لا يحتاجون إلى قرآن ولا سنة، ولا نبي ولا رسول! وربما ينطبق هذا، لا على الاقتصاد فحسب، بل أيضاً على السياسة والقانون والاجتماع والنفس والفلسفة والأخلاق وسائر العلوم الاجتماعية»، ويضيف «أنت يا دكتور حمزة تجد نفسك مرتاحاً على الدوام، لأن الغربيين أياً ما فعلوا وكيفما تقلبوا فأنت متفق معهم 100 في المئة، ولا تحتاج إلى أدنى تفكير أو تدبير، بل لا تحتاج أن تشترك معهم في العلم والعمل! لقد كفاك الغربيون مؤونة التفكير والتعبير والاجتهاد، فهم أقوياء وعدول ومنصفون مع أنفسهم ومع غيرهم، لا يظلمون ولا يضام إنسان ولا بلد بين ظهرانيهم! ليس عندهم رباً ولا غرر ولا قمار ولا ظلم ولا عدوان ولا أزمات ولا فضائح ولا سوء نية... كل شيء عندهم على ما يرام!». ويصف المصري السالم بقوله «رأيك يا دكتور حمزة هو على رأي طه حسين: خذوا بالحضارة الغربية حلوها ومرّها، خيرها وشرّها، إذا تقدموا تقدمتم، وإذا سقطوا سقطتم! كلام طه حسين صحيح بشرط واحد: أن تكون الأمة كلها من الحمير!». ولم يتعد رد السالم على المصري رسالة مقتضبة قال فيها «سأقوم بالرد على كلام الدكتور المصري ضدي لأبين أسلوب الحوار الموضوعي، ثم سأورد ما هو الاقتصاد الإسلامي وتشابكه مع الاقتصاد الغربي، والدكتور المصري كلامه عاطفي ويكفي إيميله هذا وما قبله ويكفي أنه تقول علي ما لم أقل، فهو يعيد ويكرر نسبة 100في المئة وهذا غير صحيح أنا لم أقل هذا، بل قلت إنه أقرب إلى الاقتصاد الإسلامي على اختلافات ومحظورات أو نحو ذلك، كما نقول إن الأخلاق هناك أقرب إلى الشريعة مما هي عليه في بلاد الإسلام وتكلمت في ذلك. وأنا مشغول جداً وعلى كل فليهدأ الدكتور المصري حتى يسمع الرد، لكي لا ينزلق أكثر مما قال من الأخطاء والعاطفة. ولما أرد بالشرع والمنطق والواقع سننظر ماذا عند الدكتور غير المبالغات والتهجم، لعلنا نصل إلى مراد الله في شرعه». وعلى رغم الرد المقتضب إلا أن المصري عاجله بإيميل تهكمي آخر يقول فيه «أي اقتصاد غربي، وأي اقتصاد رأسمالي يبصم عليه حمزة السالم، ويمكن أن نسلّم له بما يقوله ويدعيه؟! دع يا حمزة للناس أن يفكروا ويجتهدوا ويصيبوا ويخطئوا. ربّ فكرة قديمة هي أفضل من فكرة حديثة! ورب كلمة بسيطة هي أفضل من ألعوبة معقدة! والاقتصاد الغربي موضات، ويتأثر بنبض الشعوب وردود الفعل، والنظم المتنافسة معه، والأحزاب الحاكمة والمعارضة، فليس هو شيئاً واحداً حتى تبصم عليه وتُعجب به! ، شخّصْ لنا اقتصادك الغربي الموافق للشريعة الإسلامية بضربة حظ!، لا تقلق يا حمزة على التمويل الإسلامي، فإن المسيطرين عليه هم على شاكلتك يتبعون النظام الرأسمالي حذو القذة بالقذة، فلا أدري كيف تنتقد التمويل الإسلامي وهو سائر على منهجك!». وإلى حين يرد السالم على وفيق المصري، يرى المتابعون لهذه الحرب الضروس، وما يرافقها من تراشق بالتهم والأوصاف، أنها تبتعد أحياناً عن أدبيات الثقافة وأصول التحاور على قاعدة معرفية مشتركة.