رمت فرنسا بثقلها، أمس، وراء الجهود لفرض حظر جوي فوق ليبيا بهدف منع قوات العقيد معمر القذافي من إكمال زحفها في اتجاه معاقل الثوار في شرق البلاد الذي يشهد مواجهات طاحنة حالياً تتركّز على مدينة أجدابيا، «بوابة» الشرق الليبي. ودعت الحكومة الليبية الثوار إلى إلقاء سلاحهم والاستسلام قبل وصول قواتها إلى معاقلهم، في حين أكد سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، إن حظر الطيران سيأتي متأخراً لأن القوات الحكومية ستكون قد دخلت معاقل الثوار، وعلى رأسها بنغازي خلال 48 ساعة. وشهدت أروقة الأممالمتحدة في نيويورك اجتماعات متواصلة بهدف تذليل أي عقبات تعترض إقرار مشروع القرار الذي تدعمه فرنسا وبريطانيا ولبنان، والذي نجح معدوه، على ما يبدو، في تلبية شرط أساسي يتمسك به المتحفظون ويتعلّق بالمشاركة العربية في أي إجراءات عملية لتطبيق الحظر الجوي على قوات القذافي. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أمس، «كافة أطراف» النزاع في ليبيا إلى «القبول بوقف فوري لإطلاق النار»، في وقت بعث الرئيس نيكولا ساركوزي برسالة إلى أعضاء مجلس الأمن حضهم فيها على تأييد مشروع القرار في أسرع وقت. وتعتبر مسودة مشروع القرار الذي حصلت «الحياة» على نسخة منه أن الأوضاع في ليبيا «تمثّل تهديداً للأمن والسلام العالميين»، وتدعو «وفق البند السابع» من ميثاق الأممالمتحدة إلى «الوقف الفوري للهجمات على المدنيين» وتطلب اتخاذ «خطوات من أجل تلبية المطالب المشروعة للشعب الليبي». ويطلب مشروع القرار أيضاً إقامة منطقة حظر للطيران فوق كل الأجواء الليبية «بهدف حماية المدنيين»، ويستثني من ذلك الطيران من أجل غايات إنسانية. وينص مشروع القرار أيضاً على منح الإذن للدول الأعضاء ل «اتخاذ كل الاجراءات المطلوبة لفرض الالتزام بحظر الطيران». وقال السفير اللبناني في الأممالمتحدة نواف سلام ل «الحياة»: «آمل في أن نصل إلى تصويت على (مشروع) القرار غداً (اليوم). مجلس الأمن يجري مشاورات في هذا الشأن الآن». وقال السفير البريطاني في الأممالمتحدة مارك ليال غرانت إن أعضاء مجلس الأمن سيناقشون مشروع القرار «فقرة فقرة» لأن بعض الأعضاء لديه «بعض الأسئلة حول النص». أما السفير الصيني لي باودونغ فقال إن من بين الأمور المطلوب توضيحها هل سيشمل قرار حظر الطيران كل الرحلات عبر كل ليبيا، في حين قال السفير الهندي هارديب سينغ بوري إنه وبعض الأعضاء الآخرين يريدون معرفة الدول التي ستقدّم معدات للمساهمة في فرض حظر الطيران. وبعد أيام من الجدل في شأن حقيقة الموقف الأميركي من موضوع الحظر الجوي، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في مقابلة مع شبكة تلفزيون «سي بي اس» الأميركية، أمس، إن العقيد القذافي يبدو مصرّاً على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وقتل أكبر عدد ممكن من الليبيين في إطار سعيه لاستعادة السيطرة على البلاد. وأضافت: «كثير من التحركات المختلفة قيد البحث.. نعم.. منطقة حظر جوي ولكن تحركات أخرى أيضاً حتى يمكن حماية المواطنين الليبيين من زعيمهم الذي يبدو عازماً على اعادة عقارب الساعة إلى الوراء وقتل اكبر عدد ممكن منهم». وقالت كلينتون: «ما ترونه اليوم هو إدراك لأن ما سيتقرر في مجلس الأمن الدولي أياً كان لا بد أن يتضمن قيادة ومشاركة عربيتين». وفي موسكو (رويترز)، حذر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف من أن قيام أي قوات أجنبية بعمليات عسكرية برية في ليبيا سيؤدي الى تورطها في حرب، مؤكداً تحفظات بلاده عن فرض منطقة حظر جوي. وقال ميدفيدف الذي تملك بلاده حق النقض: «تقترح مسودة القرار (المقدّم في مجلس الأمن) السماح بعمليات برية... ولكنني أفهم وتفهمون ما تعنيه العمليات البرية: إنها تعني على الارجح بدء حرب وهي ليست حرباً أهلية وانما هي حرب تضم مفرزة دولية». ولم تستبعد روسيا الموافقة على فرض حظر طيران، لكن ميدفيديف أكد أن روسيا لديها تساؤلات عن كيفية فرضه. وقال في مؤتمر عقده مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان: «ما هي الدول التي ستتحمل المسؤوليات الاساسية لهذا الحظر... ما هي القوات والوسائل المحددة التي ستستخدم لتوفير نظام أمني لهذه المنطقة..». وقالت روسيا انها ستتحمل خسارة اربعة بلايين دولار في صفقات سلاح بسبب الاضطرابات في ليبيا. وفي باريس، أعربت مصادر فرنسية مسؤولة ل «الحياة» عن تفاؤلها بالتوصل إلى تصويت على قرار مجلس الأمن حول ليبيا مساء اليوم (الخميس). والتقى وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه نظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد الذي أيّد الموقف الفرنسي في خصوص الأزمة الليبية. وقالت مصادر ل «الحياة» إن الإمارات لن تعلن موقفها الرسمي من المشاركة في الحظر الجوي على ليبيا قبل صدور قرار من مجلس الأمن في هذا الشأن. وعلمت «الحياة» من مصادر فرنسية أن رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم سيزور فرنسا ويلتقي الرئيس الفرنسي. ولم تستبعد المصادر أن يقوم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة بزيارة اليوم لباريس لعقد قمة مع ساركوزي في شأن ليبيا والبحرين. وقالت مصادر فرنسية إن من المهم أن تحصل فرنسا وبريطانيا على دعم من الدول العربية لموقفها، في وقت قالت مصادر دولية إن الموقف الأميركي قد تطوّر لجهة ضرورة التوصل بسرعة إلى قرار بفرض حظر جوي على ليبيا، ولفتت إلى أن باريس تكثّف الاتصالات مع بريطانيا من أجل التوصل إلى قرار في مجلس الأمن يمنع القذافي من شن هجومه على مدينة بنغازي. وأوضحت المصادر الدولية ل «الحياة» أن الأميركيين وافقوا على الحظر الجوي لكنهم يريدون قراراً أوسع يضم عقوبات جديدة وإضافية على صعد مختلفة، وهو الأمر الذي قد يأخذ «بعض الوقت». وكشفت المصادر ل «الحياة» أن باريس يُتوقع أن تستضيف مع حلول نهاية هذا الأسبوع اجتماعاً أوروبياً - عربياً - أفريقياً لمناقشة وسائل تطبيق الاجراءات التي سيفرضها مجلس الأمن على ليبيا، في حال تم التصويت على مشروع القرار في موعده المتوقع اليوم. وبالنسبة إلى الوضع الميداني، نقلت الحكومة الليبية عدداً من الصحافيين إلى موقع غرب أجدابيا البلدة التي تعتبر بوابة لبنغازي التي تسيطر عليها قوات المعارضة. لكن مراسلاً لوكالة «رويترز» نقل عن جنود من قوات القذافي إنهم واجهوا مقاومة من قوات المعارضة بالقرب من أجدابيا. وقال أحمد جاد الله، مصوّر «رويترز»، إنه شاهد عدداً من الدبابات منتشرة على طول الطريق الساحلي إلى جانب ناقلات دبابات فارغة في طريق العودة من على خط المواجهة. وأضاف أن عدداً من الجنود بدا عليهم الإرهاق لدى عودتهم في مناوبة قالوا إن المعارضة المسلحة ردت على اطلاق النار من مواقعها قرب المدينة. وخارج اجدابيا اطلق جنود حكوميون النار في الهواء احتفالاً وقالوا إن البلدة اصبحت تحت سيطرتهم. ولم يسمح للصحافيين بدخول البلدة. وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز» على موقعها على شبكة الانترنت أن أربعة من الصحافيين العاملين بها فقدوا منذ صباح الثلثاء خلال تغطيتهم القتال في أجدابيا. وذكرت الصحيفة أن اخر اتصالات بين الصحافيين، ومنهم أنتوني شديد الحاصل على جائزة «بوليتزر» مرتين، ورؤسائهم كانت صباح الثلثاء من بلدة أجدابيا. وقال بيل كيلر رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة: «تحدثنا مع مسؤولين في الحكومة الليبية في طرابلس، وقالوا لنا انهم يحاولون التحقق من مكان صحافيينا». وذكر أن الحكومة الليبية أكدت أن الصحافيين اذا كانوا اعتقلوا فسيفرج عنهم في وقت قريب بدون أن يلحقهم ضرر. وافرجت القوات الحكومية عن مراسل برازيلي الاسبوع الماضي، لكن صحافيا من «الغارديان» البريطانية مازال في عداد المفقودين.