بدر السلوم: 19% ارتفاع صافي ربح BSF خلال ال9 أشهر الأولى من 2025    نائب أمير حائل يطلع على خطط مركز إتمام    ترتيب الدوري السعودي بعد نهاية الجولة الخامسة    «التعاون الإسلامي» تُرحّب باتفاق وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    جمعية شفيعًا تنظم رحلة تكريمية لطلاب الحلقات الحافظين لكتاب الله من ذوي الإعاقة للمدينة المنورة ومكة المكرمة    تخصصي الملك فهد بالدمام يطلق مؤتمر "الابتكارات المتقدمة في الطب المخبري"    إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال مدينة القدس    فريق جراحة مستشفى صبيا ينقذ شابًا من تمزق خطير في الكبد    منتخب المغرب يتوج بكأس العالم للشباب بفوزه على نظيره الأرجنتيني    سيرة من ذاكرة جازان    انطلاق المؤتمر العالمي لإنترنت الأشياء 2025 في الرياض    بلدية الخفجي تطرح 36 فرصة استثمارية متنوعة للمستثمرين ورواد الأعمال    بدء التشغيل التجريبي لمبادرة إلغاء إشارة الكربوس بجازان    مدرب نيوم : كنا نعلم ان المباراة ستكون صعبة    سماء السعودية تشهد زخة شهب الجباريات من 2 أكتوبر حتى 7 نوفمبر    شموخ وطن يكرم الدكتور أحمد حمود الغامدي    تلوث الهواء يبطئ نمو دماغ الأطفال حديثي الولادة    بالتعاون مع الشريك الأدبي نادي ثقات الثقافي يُفعل الثقافة الأدبية في مدارس القلعة الحجازية    اللجنة الإعلامية ترفع جاهزيتها لانطلاق فعالية البلوت بنجران    تكريم الكلية التقنية للبنات بشرورة لمشاركتها في اليوم الوطني 95    جمعية رعاية الأيتام بنجران تواصل ‏برامجها ‏التوعوية    نائب أمير مكة يترأس اجتماع محافظي المنطقة لمتابعة مشاريع التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية 2030    ولي العهد يعزّي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    شراكة مع الخزانة الأمريكية وصندوق أوبك لإعادة البناء.. سوريا تعزز التعاون مع واشنطن والمجتمع الدولي    سمو ولي العهد والرئيس الفرنسي يستعرضان هاتفيًا تطورات الأوضاع في قطاع غزة والجهود المبذولة لإنهاء الحرب في القطاع    المنتخب السعودي.. من «منتخب النتائج» إلى «منتخب المنهج»    «كينونيس» يقود القادسية لعبور نيوم واستعادة وصافة روشن    8.8 تريليونات دولار أصول الصناديق السيادية بالشرق الأوسط في 2030    «النقل»: 39 مليون راكب استخدموا قطارات السعودية    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    سعود بن بندر يستقبل مشرف البعثة التعليمية في البحرين ومدير تعليم الشرقية    سعود بن نايف يشدد على التعاون لخفض الحوادث المرورية    عُقل الزلفي.. الأطلال والذكريات    التعليم.. رحلة تبدأ من الجودة    «المساحة» : زلزال الخليج العربي بعيد عن أراضي السعودية    من «النساج» إلى «الوروار».. الطيور تبهر زوار المدينة    51 قتيلاً و150 مصاباً منذ إعلان وقف الحرب    طالبات جامعة نورة يتألقن في مسابقة الترجمة الصينية    الأزياء الجازانية.. هوية تنسجها الأصالة وتطرّزها الذاكرة    حين تسرق الثمرة.. ويبقى الجذر صامداً    دعوة إلى استعادة نعمة الملل في زمن الضجيج    مهرجان البحر الأحمر يكشف أفلام دورته الخامسة    ترمب يهدد بنزع سلاح حماس    بهدف تعزيز الشفافية والحوكمة في جمع التبرعات.. لائحة جديدة لتنظيم إنشاء وتمويل الأوقاف    العليمي: الانتهاكات تهدد الإغاثة وتعمّق معاناة اليمنيين.. الحوثيون يقتحمون مجمعاً أممياً بصنعاء مجدداً    نائب أمير نجران يُدشِّن أسبوع مكافحة العدوى    محافظ الأحساء يستقبل مساعد قائد قوة أمن المنشآت في الشرقية    بطاقة الأولوية لم تعد أولوية !!    الرياض تحتضن ختام مؤتمر رؤساء وأمناء الاتحادات الآسيوية لكرة القدم 2025    "التحالف الإسلامي" يعقد دورة تدريبية وورشة عمل حول "التعامل مع التطرف الفكري في البيئة التعليمية" في المالديف    أفغانستان وباكستان : ملتزمون بوقف النيران    رئيس الشورى يرأس الاجتماع التنسيقي العربي    نائب أمير جازان يزور الأديب إبراهيم مفتاح للاطمئنان على صحته    لا مال بعد الموت    فرع الشؤون الإسلامية بجازان ينفّذ حملة وقائية ضد الإنفلونزا الموسمية في صبيا    «911» يتلقى 83 ألف مكالمة في يوم واحد    «ابن صالح» إمام المسجد النبوي ومربي الأجيال.. توازن بين العلم والعمل    لائحة لإنشاء الأوقاف وتمويلها عبر التبرعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدارات يكتبها أدونيس - كاحل غزالةٍ تُسمّى الصحراء
نشر في الحياة يوم 17 - 03 - 2011


- 1 -
هل بدأت السلطة العربية تنبهُ الى حركية الحياة، ومعنى التغيّر، والى حقوق الفرد العربي، مواطناً وإنساناً؟
اعتراف هذه السلطة بثوار ليبيا، على الرغم من جميع الملابسات الخاصة بنظامها، والخاصة بمن اعترف دون تحفظ، أو اعترف متحفظاً، إنما هو اشارةٌ أولى. بل يمكن وصفه، في إطار التاريخ السياسي العربي، بأنه خطوةٌ تاريخيّة.
حين تعترف السلطة بحق التمرد، فذلك يعني اعترافاً مُزدوجاً: بأخطائها، وواجبها في أن تُعيد النظر باستمرارٍ في نفسها، نظراً وممارسةً، من جهة، وبحقّ معارضيها في التمرّد عليها، دفاعاً عن حقوقهم، وانتصاراً لمكانة بلادهم وكرامتها، إنسانيّاً وسياسيّاً، بين بلدان العالم.
- 2 -
حاكمٌ يرفضه شعبهُ: ما تكون قيمةُ هذا الحاكم إذا انتصر على شعبه بضرب الأعناق، كما كان يحدث سابقاً في الماضي، أو إذا انتصر عليه بمرتزقيه المجيَّشين، ودباباته، وقاذفات قنابله، كما يحدث الآن؟
أَلن يكون انتصاره هنا اندحاراً؟ ألن يكون «تقدمه» هزيمةً؟
ولماذا تتواصل، تكالُباً على السُّلطة والغلبة، هذه التراجيديا اللاإنسانية، على هذه الأرض العربيّة؟ أهُو مكرُ التاريخ؟ أهو مكر العقل؟ أهو مكرُ هذه الأرض نفسها؟
- 3 -
من زمنٍ، تبدو الأرض العربية، بجمالها كلّه وفرادتِها كلها، كأنها فضاءُ عذابٍ وتعذيب. لا تعذيب العقل وحده، بل الجسم أيضاً. يُساسُ الإنسان ويُقادُ كأنه شيءٌ بين الأشياء. أو في أحسنِ الحالات كأنه طِفلٌ لا ينمو، وإنما يظلُّ رضيعاً. يوضع بين الجدران - حضانةً، وعنايةً، وتربيةً. تفتحُ له النوافذُ والأبواب، لكن بمقدار. يُعلم السيرَ المستقيم، خطوةً خطوةً. يقرأ أو يُقرأُ له، لكن بمقدار أيضاً. وبمقدارٍ، يفكِّر، أو يُفكَّرُ عنه. كأنه لم يُخلق إلاَ لكي يُدَجَّن، ويُروضَ، ويُشيأ.
ومن أين له، إذاً، أن يكون إنساناً؟
فضاءُ عذابٍ وتعذيب.
وهذا السائسُ الأب المربّي يُحيط نفسه، لكن بمرتزقيه، وجلاّديه، وحاملي أختامه وأسلحته، ووارثيه. يتماهى بهم، ويُماهي بهم الوطن والشعب والأرض والسماء، مُخيلاً للناس أنه إذا مات، مات معه كلّ شيء.
- 4 -
القائدُ الخالدُ الألِف.
كلما تأملتُ في حال هذه الأرض العربية، أضطربُ. يرُجني دُوارٌ. تلتهمني حيرةٌ. يجرفني ضياع.
الأفراد مجرّدُ حروفٍ في أبجدية القائد الخالد الألِف. وفي التسامح الكامل، ليسوا إلا مجرَّد حركاتٍ في خطابه. المواطنة، بالنسبة اليه، استتباعٌ. وإخضاعٌ. تدجينٌ وتلوينٌ. تحريكٌ وتسكينٌ. كما لو أنها الخطرَ الأكبر الذي يواجهه. كما لو أنه هو، وحده، الحياة، البلادُ والعِبادُ، الحاضرُ والمُستقبلُ. كما لو أنها صناعةٌ اختُص بها، هو وحده.
- 5 -
أن يخرجَ العربيّ من سرير طفولته، أن ينمو ويكون نفسه، هو أن يخرج من ثقافةِ القائد الخالدِ الألِف، ومن سياسته، ومن سلطانه.
تلك هي مشكلته - مواطناً وإنساناً.
وتلك هي مشكلة الأدب والفكر، الفن والفلسفة.
القائدُ الأب الألف زمنٌ لا يعرف الزّمن. لا زمنيّة فيه. والمواطِنُ، إنساناً ومفكراً، يحيا في نظامه بين جهنمين: أبوةٌ أبديّة، وعبوديّة أبديّة.
تحرر، أيها العربي، بعُمقٍ، بشمولٍ كما لو أنك تستأصلُ نفسك من نفسك.
لا تخف من الموت. الخوف كله في هذه الحياة، من هذه الحياة.
- 6 -
نحن العرب، ابتكرنا الصّفر. إبداعٌ عظيمٌ. لكن، لماذا نرى الصفر الآن يتدحرجُ مريضاً في جحيم الأرقام. عرفتني مخيلتي على تمثال الشخص الذي ابتكره. تمثالٌ سائلٌ في حِبر التاريخ.
هكذا أسكرتُ الهُدهد وحرضته على أن يقول: «لا»، لسليمان ولو مرّةً واحدة. وقالها: في تونس، في مصر، في اليمن، في البحرين، في ليبيا. والبقيّة آتية.
وكان قد تأكّد لي أن مطراً قديماً لعلّه سومريٌّ - يونانيّ، لا يزال يروي عطشنا. وقلتُ: أخبروا أولادنا، وأولادَ عمومتنا، وأبناء الوحدانيات جميعاً.
- 7 -
ثمة طغيانٌ من كل نوع يوجز تاريخ الحكم في المنقلب الأول من هذا العصر. يكتبه على جدارٍ ضخمٍ مشقوق. في رأس شقّه الأيسر فُتحةٌ بشكل الفم. فمٌ له أكثر من شفتين. وأكثر من ناطقٍ وراوية.
طغيانٌ - الوحدة التي حدّثنا عنها وبشرنا بها، تجزّأنا فيها.
الحرية التي وعدنا بها استعبدتنا.
البلدُ الذي قدّمه لنا يكاد أن يتحول الى أنفاقٍ وقبورٍ.
- 8 -
أقول، أغنّي، أُومئ،
لا تُصغي غيرُ الريح. لا يُصدقني غيرُ التراب.
هذا البلدُ لا يسيرُ إلاّ نحو الغياب،
ذاك البلدُ يكره الحضورَ، ويحبّ الظّهور،
ذلك البلدُ ليس إلا إسفنجاً.
أيّةُ روحٍ تسكنُ في هذه البلدان التي تُمليها الظُّلمات؟
قولي، أيّتها الشمس.
كأن عبقريّة الإنسان في هذا العصر، على هذه الأرض، هي فقط: أن يصطاد إنساناً.
- 9 -
لا أقدر أن أنتمي إلا لما يتخطاني.
هكذا حين أتأمّل في هذا العصر يطيب لي أن أهتف: ما أنقاكَ يا عصر الحجر، عصر الشجر الحقول والبُقُول.
يطيب لي بعد ذلك أن أُغري قدميَّ بالتنقل على ذُروات بُركان.
- 10 -
إنها الثقافة السيدة الآمرة:
نأكل بأيدٍ غير أيدينا
نرى بعيونٍ غير عيوننا
نتكلّم بألسنةٍ ليست لنا
نحيا بلا أقدامٍ لكي نتعلّم كيف نشقّ الدَّروبَ!
ثقافة - نُحبَسُ في واقِعها لكي لا نقول إلا الكذب. قادرةٌ على أن تجعل المُتهم يعترفُ بأن أجنحة الطيور ليست إلاّ مؤامرةً للانقلاب على الفضاء.
جسمُ أرضنا في هذه الثقافة مُقعدٌ وتلتهمهُ البثور.
وخوفاً من الذباب والذلّ، لا يتجرأ أحدٌ على أن يقرع باب الحاكم،
وكان الفجرُ يتكلّم بصوتٍ خافتٍ لئلا يسمعه حارسُ الغروب.
الأشياءُ نفسُها يئست، وأخذت تدخل أفواجاً أفواجاً في مذاهب القبائل - وراء حاكم.
- 11 -
لا أتحدّث عنك، أيّتها الكامِلةُ - المدنُ العربيّة. أتحدّث عن بحيرةٍ سرّيةٍ لها عنقُ امرأة، أمضيتُ على ضفافها حياتي كلها تقريباً، شاهدَ رملٍ، وشاهداً على الرَّمل.
دخانٌ يرتطم بوجه المدينة: الوجه قِناعٌ على الوجه.
لن أكذبَ على الضّوء.
لن أكذبَ على.
لن أكذب.
يمكن هكذا أن نقرأ النجوم في ضوء قناديل كمثل الشّموع. أن نصلَ خيطَ الدّمع بخيط المطر. أن نصِل خيطِ المطر بكاحلِ غزالةٍ تُسمّى الصَّحراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.