تظل العلاقة بين الفيلم المأخوذ عن عمل روائي والنص الأدبي الأصلي إحدى أكثر العلاقات جدلية في الشأن السينمائي، لاسيما أن أطروحات هذا الصدد لا تنتهي. ولا شك في أن القضية تستحق ذلك لأن النص الروائي عندما يتحول فيلماً سينمائياً يفقد إحدى أهم خواصه وهي قدرة القارئ – المُفرد – على تخيُل الشخصيات في ذهنهِ وهي مسألة تتم في صورة لا إرادية لدى القارئ العادي والمحترف على حدٍ سواء. ومن ثم يتحول هذا الخيال المفرد إلى مُجسدٍ جماعي – إن جاز التعبير - وهي أول صفة يفقدها النص الروائي حين يتحول شريطاً سينمائياً مرئياً. كثيراً ما عرفت السينما الأفلام المأخوذة عن نصوصٍ روائية ومن أشهرها تلك المقتبسة من روايات الأديب نجيب محفوظ والذي صرح بدوره حينما سُئل عن رأيه في الأعمال السينمائية المأخوذة عن أعماله بأنه مسؤول فقط عن النص الأدبي، أما الفيلم السينمائي فذلك شأنٌ آخر. إشكالية الترجمة ويدور الجدل أحياناً في المقارنة بين الرواية والفيلم... ومن أمثلة ذلك أعمال الروائي الأشهر دان براون الذي تحولت ثلاث من رواياته أفلاماً سينمائية وهي «شفرة دافنشي» و «الجحيم» و «ملائكة وشياطين». بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه – حتمياً – في ذلك المقام، هل يمكن تقييم الرواية/ الفيلم من دون الوضع في الاعتبار إشكالية الترجمة؟ أي أن الفيلم ربما يبدو أفضل في تناول شخصيات الرواية ولكن ثمة ضرورة لعدم إغفال الفارق بين الرواية في لغتها الأصلية وتلك المُترجمة، فربما تلعب الترجمة دوراً – كثيراً ما يكون سلبياً – في إيصال مضمونها وكنه شخصياتها إلى القارئ... ولكن هذا لا يعني أن الحكم مُطلق. فأحياناً تكون الرواية أفضل من الفيلم المأخوذ عنها والمثال على ذلك مجمل الأفلام المأخوذة عن روايات براون والتي سبق الإشارة اليها. وأحياناً يأتي الفيلم أفضل كثيراً من الرواية ومنها الفيلم المأخوذ عن رواية الأديب الإيطالي أمبرتو ايكو «اسم الوردة» والذي قام بدور البطولة فيه الممثل المخضرم شون كونري بصورة أكثر من رائعة، وفي حينٍ ثالث يتساوى التقييم بين الفيلم والرواية ويتعادلان في الدرجة مثل رواية «العطر» للأديب الألماني باتريك زوسكيند والتي تحولت فيلماً يحمل الاسم ذاته قام ببطولته الممثل الإنكليزي بن وش، إذ برع صُناع الفيلم في تجسيد جوهر الرواية إلى حدٍ كبير. والقائمة تطول. أعمال أدبية تخلدها السينما الحقيقة التي لا ينبغي إغفالها هي أن ثمة أفلاماً سينمائية ساعدت على تخليد بعض الروايات بالفعل ومنها الفيلم الشهير «دكتور زيفاجو» المأخوذ عن رواية تحمل الاسم ذاته للأديب والشاعر الروسي بوريس باسترناك، وغيرها الكثير من الروايات. ويرجع ذلك أحياناً إلى صعوبة التواصل بين القارئ والسرد الروائي نظراً لاختلاف الثقافات أو نتيجة التبحر في بعض التفاصيل التي قد لا يتفاعل معها المتلقي، وهو ما لا يحدث غالباً عندما تتحول الرواية فيلماً سينمائياً يخاطب شعوباً ذات ثقافات عدة عبر المَشاهدة والتجسيد الحي للأحداث والشخصيات. في الواقع يبدو الأمر خارج نطاق المقارنة، أو قد لا تجوز المقارنة من الأساس، وفي رأي بعضهم الآخر أن المقارنة حتمية بين الرواية والفيلم، وتجرى في صورة لا إرادية ومن المُحتم أن يتم الحديث عن مدى نجاح الفيلم في تجسيد الرواية من عدمه. النسبية تحسم الجدل في نهاية الأمر، تأتي «النسبية» بوصفها أفضل معيار لمعالجة تلك العلاقة الجدلية، بمعنى ما هي نسبة نجاح الفيلم في تجسيد الرواية وليس طرح السؤال المعتاد أيهما أفضل الرواية أم الفيلم؟ ذلك لأن طبيعة المُنتج نفسه مختلفة، ومن المؤكد أن النص الروائي مكتوباً سيختلف عنه مرئياً ولكون الموضوع حياً وما زالت الروايات تتحول أفلاماً، ستظل تلك القضية الشائكة مطروحة.