أفضت التغييرات الديموغرافية والاقتصادية من غلاء المعيشة وارتفاع أسعار العقار والإيجارات في الأعوام الأخيرة، إلى انقلابات جذرية في أجندة الشاب السعودي، فبعد أن كان شراء سيارة جديدة والزواج أولى أولوياتهم تغير الأمر بالنسبة لكثيرين، إذ أضحى العنوان الأول بلا بمنازع في خططهم «امتلاك منزل». واقترنت عبارة «بناء منزل» بكلمة «حلم»، لتصبح العبارة مكتملة على ألسن ذوي الدخل المحدود «حلم بناء منزل»، تعبيراً عن عجزهم عن تحقيقه. وعند النظر إلى النتائج الأولية لآخر إحصاء سكاني شامل (أجري في عام 2010) اتضح من خلاله أن سكان المملكة يتجاوزون 27 مليون نسمة، منهم 18.7 مليون سعودي، في مقابل 4.6 مليون وحدة سكنية في المملكة، لكن نسبة حيازة السعوديين للمساكن لم تعلن بعد! ويرى مراقبون أن نسبة حيازة السعوديين للمساكن تبدو «ضئيلة»، ما يوضح بلغة الأرقام حقيقة أزمة السكن في السعودية. ويجمع شبان التقتهم «الحياة» على أن امتلاك مسكن أصبح حائزاً على المركز الأول في سلم أولويات أجندة أهدافهم في الحياة، حتى إن بعضهم أخر هدف الزواج من أجل امتلاك مسكن. ويقول رشيد أبو العلا (أحد طلاب جامعة الملك عبدالعزيز) إن امتلاك مسكن يأتي في صدارة أهدافه فور عمله. ويعزي أبو العلا تصدُّر هدفِ امتلاك مسكنٍ أجندةَ أهدافِه إلى أن أسعار الوحدات السكنية من شقق سكنية أو فلل مستأجرة «باهظة جداً»، مضيفاً أنه «فيما لو قرر تقديم الزواج على السكن فإن جزءاً ليس بالقليل من راتبه سيظل أسيراً للقروض التي اقترضها لإتمام الزواج، ولسنين عدة فيما سيذهب الجزء الآخر من الراتب في كلفة إيجار الوحدة السكنية ليتبقى لي فيما بعد جزء ضئيل من ذلك الراتب». ويرى أبو العلا أن الاستراتيجية الأفضل لمستقبله واختصاراً للوقت هي امتلاك مسكن ومن ثم الزواج. وتتجلى موافقة رأي أبو العلا لكثير من الشباب الذين استطلعت «الحياة» آراءهم، إلا أن الاختلاف يكمن في آلية الوصول إلى هذا الهدف. ويحكي أبو عمر عن قصته في السعي عبثاً لامتلاك منزل بعد أن تقاسمت أقساط السيارة والزواج ومصاريف الحياة اليومية أجزاءَ راتبه الذي لا يتجاوز 7 آلاف، ليبقى حلم امتلاك مسكن مؤجلاً بحكم «الظروف» إلى حين آخر. ناصحاً الشباب المقبلين على الزواج بتعديل وجهتهم عن الزواج إلى امتلاك مسكن. وبينما يرى الغالبية أن السكن بات أولوية تسبق الزواج، لا يخفي ريان الزبيدي الذي يعمل في القطاع الخاص وبمرتب لا يتجاوز 9 آلاف ريال إلى أن الأقدار هي من ابتسمت له ووفرت له الزوجة والمنزل، في عمر لم يتجاوز 32 عاماً. ويكشف الزبيدي عن أن زوجته التي تعمل معلمة أسهمت بشكل كبير في معاونته على تحقيق حلم بناء منزل في وقت قياسي، عند مقارنته بعديد من أقرانه كما يقول. ويجد وليد المنتشري أن أجندة أهدافه هي إنجاز مشروعه الاستثماري ومن ثم الانطلاق نحو بناء مسكن ليحتل الزواج المرتبة الثالثة في سلم أولوياته. وبلا تردد يؤكد الزبيدي أن زمن الماديات هو الغالب هذه الأيام، لذا فإن «المادة ثم السكن هما الأهم بالنسبة لي، وسأسعى خلال السنين المقبلة لإتمام ثلاثية أهدافي الحياتية». لكن أملاً كان مفقوداً عاد لسلطان الغامدي وعلي القرني اللذين أكدا ل«الحياة» أن أحلامهما قد تتحقق في وقت قريب، بعد الدعم الضخم الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لصندوق التنمية العقاري (40 بليون ريال)، إضافة إلى 15 بليون ريال شكلت دعماً للهيئة العامة للإسكان.