مع مطلع الألفية الثانية، انتشرت لغة «الفرانكو» وسيلة للتواصل خلقتها حاجة غياب استخدام الأحرف العربية في بعض المواقع الإلكترونية. لكن على وجه غرائبي، توغلت هذه اللغة على مواقع التواصل بين الشباب العربي وفي الرسم على الحائط والطباعة على الملابس لتسحب البساط من اللغة العربية (الأم) لتلك البلدان، وتضعها في مأزق واضح، خصوصاً مع الشباب والمراهقين، ما دفع بعض الغيورين على اللغة إلى البحث عن سبل لمواجهة ذلك «التهديد» للهوية العربية أمام تلك التقنية التي تعمل على تغريب الكتابة العربية باستخدام الحروف الأجنبية مع استبدال بعض الأحرف التي لا مقابل لها في الحروف الإنكليزية بأرقام، مثل الحاء ويعبر عنها برقم (7). برز أخيراً في مصر فن الرسم بالخط العربي على الجدران المنزلية، كجسر يوثق الصلة بين الشباب والنشء واللغة الأم. وتعد الفنانة هدير ناجي (23 سنة) من أشهر محترفي ذلك الرسم الذي بدأ بغرافيتي في الميادين، وذلك منذ التحاقها بالدراسة الجامعية. تقول ناجي ل «الحياة»: شاركت في ورش عمل عدة لتعلم أساسيات الرسم والكتابة بالخط العربي وأنواعه، ثم بدأت مرحلة التطبيق في المنزل وانضممت إلى نشاطات في الجامعة، الأمر الذي شجعني أكثر فشاركت في مشروع تنمية المناطق العشوائية». وعن توظيفها ذلك الفن لربطه بجيلها تقول: «يهتم الشباب حالياً بالكتابات العربية ويرونها شيئاً جديداً تستخدم كهدايا مميزة وغير تقليدية، خصوصاً بعد دمجها بتصميمات وصور مختلفة وتجديد أشكال الحروف. كتبت على تابلوات خشبية وأصبح الإقبال كبيراً على كلمات فصحى وجمل من أغان عربية منها كلمات من أغاني السيدة فيروز وأم كلثوم وعبدالوهاب وفرق الأندرغراوند». انغمست ناجي في دارستها الخطوط العربية من حيث تاريخها وأنواعها وطرق تطويعها في الرسم والكتابة، ومن بين الأنواع المختلفة تعلقت بالخط الثلث. وعن ذلك توضح أن «الثلث هو خط غني جداً بأشكال الحروف التي تقبل التطويع بطرق مختلفة، فيمكن أن تكون مرنة ويمكن أن تكون جامدة، وانبثق منه الخط الثلث الشعبي أبرز مثال تصميم ديوان «المسحراتي» للشاعر فؤاد حداد وهذا نوع قريب يجمع بين جمال الخط وتكوينه القريب من الناس». وتضيف: «أدمج الخط العربي بالغرافيتي على الحائط، وأعيد تشكيل الحروف حتى أخرج في النهاية بتصميم فني مستوحى من الخط العربي الأكاديمي، وهذا يسمى تايبوغرافي». وتستغل ناجي الدمج بين العناصر السابقة في إدخال الخط العربي على الملابس وقطع الديكور الخشب والرسم على الجدران بديلاً من الزخرفة أو ورق الحائط بالخط الثلث، وتعلق: «الكلمات العربية في أركان المنزل تعطي روحاً مختلفة». مرت ناجي بمحطات عدة في تجربتها لتعلم الخط العربي خلال العامين، وتروي: «أول عملي كان تصميم «أنا حرة»، أعجب به المدرب ووضع داخل مقر مؤسسة «ألوان» المنظمة للورشة. المحطة الثانية كانت ورشة التايبوغرافي في «ق ستوديو» وهي مؤسسة معنية بدراسات الخط العربي والفن الإسلامي». واللافت أن هدير كانت أصغر عضو في الورشة، وعلى رغم ذلك كانت واحدة من ثلاثة جمعت معظم أعمالهم في مشروع يضم إنجازات الورشة. وعن عملية اختيار التصميم والألوان المستخدمة في أعمالها تقول: «أعتبر نفسي زائرة لا فنانة، وأتساءل عما أفضّل مشاهدته من ذلك المنظور، ثم أطرح على أصحاب العمل أفكاراً يختارون منها». شاركت الفنانة بأعمال متنوعة في معرض نتاج ورشة في وزارة الشباب والرياضة المصرية العام الماضي، لكنها ترى إهمالاً رسمياً في التعامل مع رسامي الخط العربي خصوصاً في ما يتعلق بتنظيم المنح وورش التدريب لإثقال مواهبهم ونقل الخبرات بين الأجيال. وتشير كذلك إلى ارتفاع تكاليف الدراسة داخل مدارس تحسين الخطوط العربية التابعة لوزارة التربية والتعليم نحو الضعف عن مثيلتها في مراكز خاصة، ما أدى إلى انخفاض نسبة المتخرّجين.