غداً الأحد (7 حزيران/ يونيو 2009) يتوجه اللبنانيون الى صناديق الاقتراع لانتخاب 128 نائباً من بين 587 مرشحاً، يتنافسون على دخول البرلمان الرابع عشر بعد مرور 66 سنة على الاستقلال. ومع أن اتفاق الطائف أوصى بضرورة اعتماد قانون انتخاب جديد على أساس «المحافظة»، إلا أن نتائج انتخابات 2005 لم ترض المعارضة. وحجتها أن التمثيل السياسي لم يكن صحيحاً بدليل سقوط عدد من مرشحي العائلات التقليدية التي توارثت النيابة أباً عن جد. لذلك اعترفت بفشل نظرية الانصهار الوطني، وطالبت بالعودة الى قانون 1960 على اعتبار أن لبنان لم يعبر حدود الطائفية والمذهبية والفئوية والعائلية بعد. أي أنه لا يزال في شرنقة ما وصفه المؤرخ كمال الصليبي في كتابه «بيت من عدة منازل»، أو ما استنتجه الكاتب تشارلز غلاس من حرب 1975 بأنها «حرب قبائل لها رايات». اضافة الى هذه المعطيات الاجتماعية، فإن تكتل 8 آذار يعتقد بأن اللبنانيين انتخبوا المرة الأخيرة تحت وطأة حدثين مهمين: الأول تمثل باغتيال رفيق الحريري وما عبأته هذه العملية من مشاعر انتقامية صاخبة لدى الطائفة السنية تحديداً. والثاني، تمثل بانسحاب القوات السورية التي ضبطت إيقاع الانتخابات في لبنان منذ سنة 1976. وترى المعارضة أن المصالحة السعودية - السورية، وقبول دمشق إقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان الكبير بعد تمنع دام 88 سنة، والعودة الى قانون القضاء... هذه كلها يمكن أن توفر حصيلة انتخابية مشابهة لحصيلة 14 آذار، أي سبعين نائباً على الأقل. الاهتمام العالمي بانتخابات لبنان، طرح الكثير من الاسئلة حول أهميتها السياسية، وما إذا كانت بالفعل نقطة مفصلية بين مشرعين ونظامين؟! ويستدل من عدد الوفود التي أرسلت للمراقبة، أن اهتمامها يتعدى آلية الاحتكام للديموقراطية، وأن نتائجها قد تؤثر على القرارات الدولية المتعلقة بلبنان. وهذا ما قاله الموفد الخاص لأمين عام الأممالمتحدة مايكل وليامز، الذي وصف اهتمام المجتمع الدولي بالانتخابات النيابية اللبنانية، بأنه نابع من دور بلد محوري في المنطقة، ومن الحرص على أهمية استقراره السياسي. ومثل هذا التفسير ينسجم مع الكلام الذي ردده أعضاء وفد المعهد الوطني الديموقراطي الأميركي الموجود في لبنان لمراقبة الانتخابات، وقد انضم هذا الوفد الى «مركز كارتر» الذي أرسل خمسين مراقباً يمثلون عشرين دولة مختلفة، اضافة الى الوفد الدولي الذي أنيطت به عملية المراقبة والفرز. كذلك نشطت بعثة الاتحاد الأوروبي بواسطة مئة مراقب أشرف على توزيعهم النائب الاسباني في البرلمان الأوروبي خوسيه سالافرانكا، وفي سبيل اعطاء هذه الانتخابات الصدقية التي تحتاجها، قام الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر بالاتفاق مع رئيس الوزراء اليمني السابق عبدالكريم الارياني، بترؤس اجتماعات الوفد الدولي، يعاونهما من جهة أخرى ممثل أمين عام منظمة الدول الفرانكوفونية. قبل أن ينتقل الى الرياضوالقاهرة، أرسل الرئيس الأميركي باراك أوباما نائبه جو بايدن الى لبنان للاعراب عن اهتمامه ببلد حولته حرب 2006 قوة مركزية داخل الصراع العربي - الاسرائيلي - الايراني. كذلك طلب من مبعوثه الخاص جورج ميتشل التوجه الى سورية كمؤشر على اقترابه من دمشق، في وقت كان يخاطب العالم الاسلامي من الرياضوالقاهرة. وواضح من طبيعة هذه التحركات أن أوباما يحرص على تحقيق سلام شامل على المسارين السوري واللبناني، حرصه على التوصل الى تسوية نهائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ويرى المراقبون أن سياسة أميركا الخارجية في عهد الديموقراطيين هي نقيض سياسة جورج بوش بالنسبة للتعاطي مع ايران وسورية. لذلك لاقت استحسان الرئيس بشار الاسد الذي وصفها أمام وفد أميركي زاره الاسبوع الماضي، بأنها تتبنى أسلوب الحوار والانفتاح أثناء معالجة القضايا الشائكة. وبسبب هذا الأسلوب، توقع الاسد أن تنجح شرط انطلاقها من رؤية متكاملة تعالج كل مشاكل المنطقة المتداخلة والمترابطة. عقب مغادرة جو بايدن بيروت، زارها وزير خارجية روسيا سرغي لافروف، حاملاً إلى الرئيس سليمان رسالة تقدير ودعم من قيادة بلاده. وقد جاءت هذه الزيارة عقب جولة في المنطقة تمهيداً لعقد مؤتمر سلام في موسكو يحضره كل الأفرقاء المعنيين بقضية الشرق الأوسط. وبسبب الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني، تأجل موعد المؤتمر مرتين، ولكن هذا المسعى تجدد عبر الزيارة التي قام بها وزير خارجية إسرائيل افيغدور ليبرمان، لموسكو هذا الأسبوع. العواصم العربية استغربت الحفاوة الاستثنائية التي خصت بها القيادة الروسية الوزير الإسرائيلي ليبرمان. وفي لقاءاته مع الرئيس ديمتري مدفيديف ورئيس الوزراء بوتين، تحدث ليبرمان عن ضرورة اقامة شراكة استراتيجية بين البلدين بهدف التوصل إلى موقف موحد حيال قضايا التسوية في المنطقة. وبسبب المزاعم التي فسرتها موسكو، فإن بوتين حاول اجتذاب ليبرمان إلى موقف حيادي معتدل لعله ينجح في عقد مؤتمر السلام، خصوصاً أن الوزير المتطرف شدد خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره لافروف، على نية حكومة نتانياهو في استكمال خطة الاستيطان. كما رفض حضور مؤتمر السلام في موسكو إذا حضرت منظمات إرهابية مثل «حماس» و «حزب الله». علماً بأن لافروف كان قد التقى خالد مشعل في دمشق ودعاه لحضور المؤتمر. الديبلوماسيون العرب في موسكو يفسرون دوافع الاهتمام بليبرمان، بأنها خارجية تتعلق بتدهور العلاقات مع الولاياتالمتحدة، أي العلاقات المتأزمة منذ تحدت واشنطن سياسة روسيا في كوسوفو وابخازيا وأوسيتيا الجنوبية وأوراسيا، الأمر الذي واجهته موسكو باحراجها في كوريا الشمالية وأفغانستان وإيران وفنزويلا. ومع أن الرئيس أوباما والوزيرة هيلاري كلينتون يدعوان إلى تحسين العلاقات بين البلدين، فإن العسكريين الأميركيين يختلفان معهما حول حجم الخطر الروسي والطريقة الودية التي يتعامل بها بوتين مع خصوم واشنطن. ذلك أنه لا يتوقف عن ارسال الأسلحة إلى إيران وسورية، مستخدماً الأراضي الروسية لارسال الإمدادات إلى شمال افغانستان بهدف ارباك القوات الأميركية وحليفاتها. من هنا القول إن اجتذاب زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» ليس أكثر من ورقة مساومة سوف تتخلى عنها موسكو في حال نجحت المفاوضات الاستراتيجية مع واشنطن. ولكن هذا التصور لا يخلو من رغبة بوتين في استخدام أكثر من مليون مهاجر روسي الأصل، كوسيلة ضغط سياسي لمقاومة النفوذ الأميركي المتجذر في إسرائيل. وعن طريق احياء استراتيجية التوازن التي مارسها قادة الكرملين في حربي 1967 و1973، تريد روسيا أن تمثل دور الصديق للعرب والإسرائيليين معاً. في مواجهة هذا التمدد السياسي، تضغط واشنطن من أجل اخراج ليبرمان من حكومة نتانياهو، وذلك عن طريق تزويد المحكمة الإسرائلية بلائحة جديدة من الاتهامات. والمعروف أن زعيم «إسرائيل بيتنا» قد تعرض للتحقيق خمس مرات، بسبب مخالفات عدة كالفساد والرشوة والاحتيال وانشاء شركات وهمية في النمسا وقبرص. يوم الخميس الماضي، توقفت نشاطات المرشحين في لبنان لبضعة ساعات، حتى يستمعوا إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يلقي خطابه التاريخي في جامعة القاهرة. وكان أوباما قد دشن جولته، بزيارة السعودية لتثبيت علاقات الصداقة التي استمرت منذ لقاء الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت. وبين المسائل المهمة التي بحثها الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع ضيفه، المبادرة العربية التي اعتمدها أوباما مدخلاً لمعالجة ملفات الشرق الأوسط. وأكد تبنيه لمشروع إقامة دولتين في إطار تسوية نهائية تأخذ في الاعتبار قرارات الأممالمتحدة المتعلقة بمستقبل القدس وترسيم الحدود وحق العودة ومبدأ الأرض مقابل السلام. وقد جرى استعراض كافة الاحتمالات المطروحة في «الجنادرية»، على ضوء المستجدات التي قدمها المبعوث الخاص جورج ميتشل للوزيرة كلينتون. وكان ميتشل قد اجتمع في لندن بوفد إسرائيلي أرسله نتانياهو يضم مستشاره للأمن القومي أوزي أراد ومندوبه الديبلوماسي اسحق مولكو ونائب رئيس الوزراء دان ماريدور. وعُلم أن ميتشل اثار موضوع تجميد المستوطنات كإجراء فوري من أجل بناء الثقة. واعتذر الوفد الإسرائيلي عن القيام بهذه الخطوة بحجة أن ليبرمان وزير الخارجية، هدد بالاستقالة وفرط الحكومة إذا ما أقدم رئيس الوزراء على هذا العمل. على امتداد ساعة كاملة عرض الرئيس أوباما في القاهرة، مجموعة أفكار يمكن ان تشكل تصوره الخاص لمعالجة قضايا سياسية واجتماعية مثل: الإسلام الأصولي وقضية فلسطين وموضوع الديموقراطية، وحقوق المرأة وحروب العراق وافغانستان وباكستان، وتهديد الخطر النووي وفرص التنمية الاقتصادية. وكما كان يفعل خلال حملته الانتخابية، هكذا وظف خبراته السابقة في كينيا واندونيسيا ليتحدث عن الإسلام كدين السماح والمساواة والغفران، معتبراً ان الذين ربطوه بأحداث 11 ايلول، قد اساؤوا الى الحضارة الاسلامية، كما أساؤوا الى دعوة التعقل ومكافحة التطرف والعنف التي ذكرها القرآن الكريم في هذه الآية: «أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». وتحدث عن حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة بعد انقضاء ستين سنة من الحروب، مطالباً بوقف المستوطنات وتبني مبادرة السلام العربية وضرورة حل مشكلة اللاجئين، وجعل القدس موقعاً دائماً لليهود والمسيحيين والمسلمين. ردود الفعل على الخطاب جاءت متناقضة، فالبعض اعتبره امتداداً لخطبه ذات الصياغة المنمقة والعبارات الدافئة التي يصعب ترجمتها بشكل عملي. والبعض الآخر قرأ فيه مشروعاً لتجميد المستوطنات والشروع ببناء الثقة مع العالم العربي والاسلامي بعد 8 سنوات من عهد بوش الإبن. ويستدل من طبيعة الاجراءات التي طالب بتحقيقها انه في صدد إقناع العالم العربي بجدية الخطوات المزمع على اتخاذها بشان حدود الدولتين ومستقبل القدس وحق العودة. بين ردود الفعل التي صدرت عن الاسرائيليين، تصريح لنائب يقول إنه «ليس باستطاعة أوباما حرماننا من الأرض الموعودة من أجل إسكان الفلسطينيين فيها». ومثل هذا الكلام يستحضر الى الذاكرة رد فعل مندوب السعودية الدكتور جميل بارودي في الجمعية العامة سنة 1947. يومها وقف وزير خارجية اسرائيل أبا إيبان ليعلق على قرار التقسيم الذي أعطى لليهود نصف فلسطين، ويقول: لنشكر إلهنا يهوه لأنه أعاد لنا الأرض الموعودة. وهنا قفز الدكتور بارودي من مقعده، وطالب بتسجيل نقطة اعتراض، قائلاً: لو كنت أعلم ان يهوه يملك شركة عقارية لبيع الاراضي لكنت حرصت على امتلاك حصتي أنا أيضاً. والمؤسف ان المرحوم بارودي أخبرني ان الأمين العام شطب رد فعله من المحضر! * كاتب وصحافي لبناني.