ثمّة تشابه كبير بين أبناء الأرض، كلهم إنسان، والإنسان واحد. بينهم قواسم مشتركة لا تُعَد ولا تُحصى، بدليل أنّ الدراسات والأبحاث العلمية والنظرية والميدانية تستهدفهم عموماً بلا تخصيص ولا تفريد. متشابهون إلى حدّ بعيد في السلوك العام وفي التلقّي والإرسال. في الأحلام والرغبات. لكنهم في النهاية ليسوا واحداً! فإذا اتفقوا على رائحة الخبز، اختلفوا قي كتابة رسائل الحب. وإذا اتفقوا في طبِّ المستشفيات اختلفوا في المصحات العقلية. وإذا اتفقوا على المدارس اختلفوا في المناهج. وحتى الاعلام إذا اتفقوا عليه اختلفوا في توجيهه. إنهم بقدر ما يتقاربون في العموميات والعناوين العريضة - يتباعدون حين ترِدَ التفاصيل، والتفاصيل الدقيقة والأكثر دِقّة، وحين تضيق العناوين وتتفرّع أكثر وأكثر. ما أغرب هذا التشابه وما أغرب هذا الاختلاف. إنها كالاصبع والبصْمة، كالحنجرة والصوت. أخوان شقيقان يخضعان لظروفٍ واحدة، ينمو كل منهما مختلفاً عن الآخر، بل قد يكون نقيضاً له. فبأي حقٍ أتدخل أنا في الرقصة البرازيلية؟ وبأي حقٍ تتدخل هي في الدبكة؟ وبأي حق أنتقد زي الباكستانية، لأني لن أسمح لها بأن تختار لي أيِّ زيٍّ سأرتدي؟ وبأيِّ حقٍ نتدخّل في المياه الإقليمية للآخر، ونسل في وجهه سيف الانتقاد ما لم يفكِّر مثلما نفكِّر، ويخطو مثلما نخطو ويكتب مثلما نكتب ويعبث مثلما نعبث؟ فمادونا اللبنانية مهما حاولت فلن تكون مادونا الأميركية ولا توحة السعودية والعكس. والبحر الأحمر لن يُشبه البحر الأسود ولا البحر الميت ولو كانت كلها بحوراً. نظل محقين في المطالبة أو حتى التقليد ما دمنا على حدود العوميات والقواسم المشتركة، ونصبح خارجين عن الحق وعليه، حين نبدأ بالتسلل إلى الاختلافات والتباين. فما عند بعضهم رجم للمحصنات، عند غيرهم تكريم للفاجرات. فلماذا هذا مُصِرٌّ على تغيير ذاك، وذاك مُصِرٌّ على تغيير هذا. ولماذا نشبه ظروف إنسان ما في وطن ما بظروف إنسان في وطن آخر. ليس ما أقوله استعراضاً لغوياً أو فكرياً، فنحن لا نعرف الاستعراض ما لم يكن في فستان أو حذاء أو سيارة أو حتى مظاهرة. وليس ما أقوله مجرد ترف فكري لا يتوازى ولا يتاخم ما يُشغِل البشر في هذه الآونة. لذا راجع حساباتك على حسب مصلحتك لا مصلحة الآخرين. لأن ما أقوله هو واقعٌ أليم كلعبة كرة قدم ما بين شرق الأرض وغربها، كل يُريد تسجيل هدفٍ في مرمى الآخر. فإذا أردت الهدوء والسلام ابتعد عن الملعب، وتقبّل كل إنسان مثلما هو، ذلك أنّ الانطلاق في هذه المقولة التي تبدو للوهلة الأولى تجريدية وعبثية، لكنها الخيار الصعب لتشخيص المسألة ومعالجتها بدءاً بالأسرة، وانتهاءً بالقارات الخمس! - أنا لا أُريد تغيير أحد في هذا العالم، لكنني أريد أن أتعلم أن أحترم إنسانية البشر كلها، ولذلك أعلم أنهم سيحترمونني وهكذا لن يقدروا على تغييري. أنت لا تُغيّر من تحترم والأهم من يحترم نفسه ويحترمك. خلف الزاوية إذا كنت تحتاج للأشواق لم ترني إلا ملبية زحفاً على جسدي. ويوم همسة حب شئت أسمعها، هربت يا قاتلي مني إلى الأبد. [email protected]