يفترض فهم ما يجري في المنطقة من تطورات دراسة التغيرات التي تشهدها العلاقات الدولية والتي يظهر أثرها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. اقترح مشروع الشرق الأوسط الكبير في عهد الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش. ورمى الى تذليل التناقض بين السياسة الأميركية المؤيدة للحكومات الديكتاتورية من جهة، وبين رفع واشنطن راية الديموقراطية، من جهة أخري. ويسعى المشروع هذا كذلك الى توفير وسائل عملية لبلوغ أهداف الكيان الصهيوني. ورمى المشروع أيضاً الى إحراز الهدف الثاني من طريق الهدف الأول. فحاولت أميركا استبدال وجوه الأنظمة الديكتاتورية بأخرى ديموقراطية موالية للسياسة الأميركية. ولكن فقدان الثقة بين شعوب المنطقة والسياسة الأميركية، ومخاوف الولاياتالمتحدة من النتائج المترتبة على هذا المشروع، حملا الولاياتالمتحدة على وقف العمل بمشروع الشرق الأوسط الكبير، في وقت عجزت المشاريع الأميركية عن الدفاع عن أمن الكيان الصهيوني. وجليّ أن الصحوة الشعبية الإسلامية والإقليمية هي وراء مبادرة الإدارة الأميركية الى شن الحروب، ومباشرة مشاريع للسيطرة علي مستقبل التطورات في المنطقة. وثقافة الثورة الإسلامية في ايران هي محور هذه الصحوة، ومحور التحرك الأميركي في العقود الثلاثة الماضية. وحملت الثورة الإسلامية الإيرانية قيماً جديدة، أبرزها جسر الهوة بين الثورات والدين. ودحضت، تالياً، نظريات سياسية استبعدت دور الدين في الثورة، على ما فعلت النظرية الماركسية التي اعتبرت الدين أفيون الشعوب. وأثبتت الثورة الإسلامية أن الدين هو القوة الحقيقية في مواجهة التخلف والظلم والاستبداد. وحملت الثورة عدداً كبيراً من المنظرين السياسيين على تغيير آرائهم، بعد أن تهاوت الماركسية في عقر دارها، وعجزت الليبرالية عن مواجهة تحديات الواقع. وفي الحرب الباردة، خالفت الثورة الإسلامية الإيرانية مسار القطبين البارزين العالميين، في وقت كانا يتقاسمان النفوذ في الساحة الدولية. وتداولت الولاياتالمتحدة نظرية «النظام الدولي الجديد» بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وحاولت إثبات أن الليبرالية الديموقراطية برزت علي أنقاض الاتحاد السوفياتي، ومالت الى السيطرة علي الأسرة الدولية. وفي 1995، وجهت روسيا رسالة واضحة الى الولاياتالمتحدة يوم فاز الماركسيون بغالبية المقاعد في الدوما الروسي. فبرزت ثلاثة اتجاهات دولية، اتجاه القطب الواحد ومحوره الولاياتالمتحدة، اتجاه متعدد الأقطاب ومحوره ثنائي روسي وصيني، واتجاه ثالث متعدد الأقطاب بريادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأبصرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية النور في أعقاب سلسلة من الهزائم منيت بها الجيوش العربية مع اسرائيل. فرسخت مقولة «الجيش الذي لا يقهر»، وأدت الى التوقيع علي معاهدة كامب ديفيد، والصدوع العربي بقوة الصهيونية. لكن الإمن الإسرائيلي ضعف على وقع انتصار الثورة الإسلامية وانتشار الأفكار المعادية للصهيونية، وبروز حركات ثورية مقاومة لإسرائيل. فالثورة الإسلامية الإيرانية نجحت في بدء فصل جديد من التطورات الإقليمية والدولية، وساهمت في سقوط الماركسية، وأحرجت دعاة الليبرالية الديموقراطية. وحسِب المعسكر الرأسمالي أن انتصار الليبرالية الديموقراطية حتمي. ولكن سقوط النظام الماركسي بعث تحدياً جديداً أمام المعسكر الغربي. فصاغ المفكر صاموئيل هانتيغتون نظرية «حرب الحضارات» التي حاولت رسم معالم الحرب الجديدة بين الغرب والإسلام. وفي السياق هذا، تندرج تطورات الشرق الأوسط الأخيرة. والتطورات هي تحدٍّ لا يستهان به للنظام الدولي من جهة، وتؤذن ببروز عالم متعدد الأقطاب، على رأسه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من جهة أخري. وتشهد المنطقة صحوة متعددة الاتجاهات، في وقت تبرز تطورات جديدة في العالم، وتذوي قوة الصهيونية، ويبرز العامل الديني محرك تطورات الشرق الأوسط. * عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، عن «تابناك» الإيرانية، 1/ 3/ 2011، إعداد محمد صالح صدقيان