بات في حكم المؤكد أن الانتخابات النيابية العامة في لبنان ستجرى في موعدها في أيار (مايو) المقبل، وأن لا مجال، كما تقول مصادر وزارية ونيابية، لتقديم موعدها الى ما قبل نهاية العام الحالي، وأن الحل في ضوء تعذر تأمين بطاقة الهوية البيوميترية يكون باعتماد الوسائل التي كانت تجرى على أساسها الانتخابات النيابية السابقة - أي الورقة والقلم، مع فارق يتعلق بطبع اللوائح الانتخابية المغلقة استناداً الى ما نص عليه قانون الانتخاب الجديد باعتماد النظام النسبي مع الصوت التفضيلي للمرة الأولى في تاريخ هذه الانتخابات، إضافة الى الخلاف القائم بين فريق يطالب بالتسجيل المسبق للناخبين لدى وزارة الداخلية والبلديات ممن يودون الاقتراع في أماكن سكنهم خارج أماكن قيدهم وآخر يرفض التسجيل المسبق من دون أن يسقط حقهم في الاقتراع خارج أماكن قيدهم. وعلمت «الحياة» أن الاجتماعين اللذين عقدا بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري على هامش انعقاد الجلسة التشريعية أول من أمس، خصصا للتداول في الأمور العالقة ومنها آلية انتخاب البرلمان الجديد، إنما على قاعدة توافقهما على خفض منسوب التوتر إفساحاً في المجال أمام تفعيل الحوار بدلاً من التراشق الإعلامي والسياسي. وقالت مصادر نيابية ووزارية واكبت عن كثب هذين الاجتماعين إن الخلاف حول التسجيل المسبق للناخبين خارج أماكن قيدهم حضر بامتياز في تبادل الأفكار بين الرئيسين بري والحريري، لافتة الى أن الأخير لا يعارض مثل هذا الطرح وهو يراعي موقف «التيار الوطني الحر» الذي يصر على حق الناخبين في الاقتراع في أماكن سكنهم خارج قيدهم وبلا قيود مسبقة. «التيار الحر» وحيداًِ ولفتت الى أن «التيار الوطني» سيكون وحيداً في موقفه في حال بادر «تيار المستقبل» الى حسم خياره متناغماً مع حركة «أمل» و «حزب الله» و «التقدمي الاشتراكي» وحزب «القوات اللبنانية» و «القومي السوري الاجتماعي» و «تيار المردة». واعتبرت أن لا مجال لاعتماد الهوية البيوميترية في انتخابات أيار (مايو) المقبل، إلا إذا حصلت معجزة قبل منتصف الشهر المقبل دفعت في اتجاه اعتمادها. وقالت إن وزارة الداخلية هي أداة تنفيذية تتولى التحضير اللوجيستي والإداري والفني لهذه الانتخابات وتلتزم تطبيق كل ما يتفق عليه مع أن الوزير نهاد المشنوق قطع شوطاً من باب التحسب لأي مفاجأة يمكن أن تحصل وتؤدي الى تقدم اعتماد البيوميترية على الخيارات الأخرى. وكشفت أن الداخلية باشرت تجهيز مراكز اقتراع على طول الساحل اللبناني تخصص لمن يود الاقتراع في أماكن سكنه خارج مكان قيده، إضافة الى أنها على وشك تجهيز 400 مركز لتمكين اللبنانيين من الحصول على البيوميترية. لكن ضيق الوقت - وفق هذه المصادر - سيضع الحكومة أمام خيار وحيد يكمن في اعتماد الوسائل التقليدية لإنجاز العملية الانتخابية في موعدها لأن هناك صعوبة في دعوة الهيئات الناخبة الى الاشتراك في الانتخابات على أساس تقديم موعدها. وتعزو المصادر نفسها السبب الى أن دعوة هذه الهيئات يفترض أن تتم قبل ثلاثة أشهر من موعد إجراء الانتخابات استناداً الى ما نصت عليه المادة 4، من الدستور، وبالتالي من الصعوبة في مكان إتمامها في عز فصل الشتاء، أي في كانون الأول (ديسمبر)، هذا إذا حسمت الحكومة أمرها وقررت منذ الآن تحديد موعد مبكر لإتمام الاستحقاق النيابي الذي يشكل المدخل لإعادة إنتاج السلطة السياسية. وترى المصادر عينها أن من غير الجائز استمرار الخلاف حول مبدأ التسجيل المسبق للناخبين وأن على الحكومة أن تحسم أمرها في أقرب وقت ممكن، خصوصاً أن اعتماد البيوميترية بدأ يتراجع لأنه لا يمكن الداخلية أن تقوم بتلزيم تأمينها من دون توافر الاعتماد المالي لتغطية كلفة طبعها وهذا ما يتطلب موافقة البرلمان في ظل عدم تحديد موعد لجلسة تشريعية لاحقة. وتلفت الى أن تقدم المشنوق من الجلسة التشريعية الأخيرة للبرلمان بمشروع مرسوم بصفة معجل مكرر يتعلق بآلية الاقتراع للناخبين خارج قيدهم وتأمين الهوية البيوميترية انسجاماً مع ما نص عليه قانون الانتخاب الجديد، واجه مشكلة حالت دون طرحه بصفة معجل مكرر لعدم توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون عليه. لا اعتماد لتمويل البطاقة وتضيف المصادر هذه أنه يصعب تغطية جزء من كلفة تأمين البيوميترية من خلال الاحتياط في الموازنة في حال وجد أو عبر طلب حجز سلفة خزينة، خصوصاً أن لا مال لدى الداخلية لتأمين دفعة على الحساب للشركة التي ستتولى تأمينها مع أن كل هذه الاقتراحات، حتى لو تأمنت، لن تقدم أو تؤخر طالما أنها في حاجة الى توافر اعتماد مالي يوافق عليه البرلمان وبالتالي لن يكون هناك من تلزيم لتأمينها إذا تعذر الحصول على تغطية سياسية ومالية من المجلس النيابي. أما لماذا الخلاف الدائر حالياً حول التسجيل المسبق؟ هناك من ينقل عن لسان مسؤولين في «التيار الوطني» أن رفضه هذا التدبير الانتخابي ينطلق من أنه لا يساعد على تحرير الناخبين من ضغوط القوى الحزبية النافذة على من يسجل اسمه للاقتراع خارج مكان قيده، إضافة الى أنه لا يساهم في رفع منسوب الاقتراع لدى الناخبين المسيحيين الذين يفضل معظمهم عدم التوجه لتسجيل اسمائهم لدى الداخلية مع أن التيار يراهن على إقبال مسيحي على صناديق الاقتراع بنسب عالية. إحاطة بخريطة الطريق وفي المقابل، فإن من يدعم اقتراح التسجيل المسبق يرى أنه من حق القوى السياسية وهي تستعد لخوض الانتخابات النيابية أن تكون لديها إحاطة شبه كاملة بخريطة الطريق تسهيلاً لما هو مطلوب من ماكيناتها الانتخابية، لا سيما لجهة تأمين العدد المطلوب لمندوبيها في مراكز الاقتراع. لذلك، فإن «التيار الوطني» يغمز في مجالسه الخاصة من قناة الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) باعتبار أن لديه القدرة على التأثير في الناخبين الشيعة في حال معرفته المسبقة بالمقترعين الشيعة الذين يودون الاقتراع خارج قيدهم لمنعهم من الاقتراع بحرية. وبالتالي حسم الخلاف حول التسجيل المسبق سيساهم في خفض نفقات الانتقال التي يفترض أن تدفعها من كيسها القوى المشاركة في الانتخابات في مقابل زيادة المصاريف المالية التي تؤمنها الداخلية لإنجاز العملية الانتخابية لأنها ستضطر الى استحداث مراكز لهذه الغاية يترتب عليها طلب زيادة الاعتماد المالي الذي سيخصص لها. وعليه، فإن الخلاف حول التسجيل المسبق يمكن أن يشكل مادة خلافية بين حركة «أمل» و «التيار الوطني» يمكن أن تضاف الى ملف الخلافات الذي لا يزال عالقاً منذ زمن طويل بين الطرفين بسبب فقدان «الكيمياء السياسية» بينهما وإن كان «التيار الوطني» لا يجاهر بالأسباب الكامنة وراء رفضه حرصاً منه على عدم تعريض تحالفه الإستراتيجي مع «حزب الله» الى أي اهتزاز في وقت هو في أمس الحاجة الى تأييد مرشحيه في الانتخابات.