نجحت دار الأوبرا المصرية في استهلال موسمها الشتوي بحفلات تحظى بإقبال جماهيري كبير جاءت على رأسها حفلة أوركسترا القاهرة السيمفونية على المسرح الكبير للدار، بالتعاون مع السفارة اليابانية التي كانت وراء استضافة عازف البيانو الياباني تاداشي سويناغا الذي كان أيضاً أحد عناصر الجذب الجماهيرية. وعلى رغم أن مستوى الأوركسترا الفني أقوى كثيراً من هذا البرنامج الذي كان النصف الثاني منه أنسب لأوركسترا مصاحب للباليهات والأوبرات وليس لفريق سيمفوني، فإن ما يضرب صفحاً عن ذلك أن بعض مقطوعات البرنامج لم تقدَّم في مصر من قبل، وأيضاً الجودة في الأداء التي جعلت الجمهور الكبير يقدم تحية كبرى للعازفين تصفيقاً وصيحات إعجاب. الحفلة قادها المايسترو أحمد الصعيدي وجاء برنامجها تحت عنوان «حفلة غالا»، بمشاركة الكورال التابع للسيمفوني، وهذه إحدى الإيجابيات التي أضفت شكلاً احتفالياً على الحفلة. جاء الفاصل الأول ممثلاً لفنون الأوبرا الجادة معبراً عن الموسيقى السيمفونية، وضم الفاصل الثاني مقطوعات من الباليه والأوبرا. كانت البداية مع رابسودية للأوركسترا بعنوان «إسبانيا» للمؤلف الفرنسي إيمانويل شابرييه، وهي تعد من أشهر أعماله. وقد ألفها عام 1838 بعد رحلة قام بها إلى إسبانيا وقدمت للمرة الأولى في مسرح قصر الماء في باريس، والمقطوعة تعبر عن أسلوبه الذي يعتمد على الإيقاعات المتسارعة والمستوحاة من الرقصات الفرنسية المشهورة. وكانت براعة الصعيدي هنا أنه استطاع إيضاح أفكار المؤلف الموسيقية ببساطة. العمل الثاني كان رقصات غالانتا للمؤلف الهنغارؤي زولتان كوداي صاحب الإسهامات الكبيرة في الموسيقى العالمية عبر المنهج الذي ابتدعه مع زميله بيلا بارتوك وقام من خلاله بجمع الموسيقى الفلكلورية لبلاده وتقديمها بصورة متطورة في قالب كلاسيكي بتكوينات مبتكرة ولغة موسيقية متطورة. وقد سار على نهجه الكثير من المؤلفين الموسيقيين في أنحاء العالم. والمقطوعة مستوحاة من رقصة هنغارية معروفة باسم «فيربونكوس»، وهي عبارة عن عرض راقص من القرنين الثامن والتاسع عشر. وعزفت الفرقة العمل بدقة، بخاصة في بيان التضاد بين هدوء الاستهلال مع العزف المنفرد بالكلارينيت والسرعة التي تتميز بها المقطوعة في النهاية. أما ختام هذا الفاصل فكان مع العازف الياباني مفاجأة الحفلة تاداشي سويناغا الذي تعلم الموسيقى في مدرسة توهو جاكوين (اليابان) وفي جامعة برلين للفنون وفرايبورغ للموسيقى، وجامعة موتسارتيم في سالزبورغ في النمسا، ثم تخصص في دراسة أعمال الموسيقار الألماني برامز وقدم العديد من الحفلات الناجحة بمختلف بلاد العالم، منها ألمانيا وفرنسا وسويسرا والنمسا والصين. وشارك في نشاطات عالمية متنوعة إلى جانب قيامه بتعليم أصول الموسيقى للمبتدئين في «أكاديمية شوا». عزف تاداشي مقطوعة «رقصة الموتى» للبيانو والأوركسترا المؤلف فرانتس ليست، والذي كان من أبرز ممثلي المدرسة الألمانية الجديدة. وتعد هذه المقطوعة من علامات الحداثة التي توقّعها هذا الموسيقار. الفاصل الثاني بدأ بفن الباليه، فعزف الفريق متتالية «كسارة البندق» لتشايكوفسكي، وكان الختام مع فالس الزهور وكل هذه المقطوعات محببة لدى الناس وقريبة من الآذان وتجذب عشاق الباليه. أما الختام فمثل فن الأوبرا مع العمل الشهير «الرقصات البولشفية «من أوبرا «الأمير إيغور». وقد نجحت المدربة مايا جفينيريا في الوصول إلى ذروة الأداء، علماً أن الرقصات البولشفية مأخوذة من مشهد خيالي في نهاية الفصل الثاني من الأوبرا. وكلمة بولشفية تشير إلى قبائل البدو الرحّل ممن كانوا يقطنون شمال البحر الأسود بعد الغزو المغولي. والعمل يعد تجديداً في ريبرتوار المايسترو الصعيدي وعازفي السيمفوني والكورال. وفي شكل عام، هذا العمل لم يعزف في مصر إلا مرة واحدة حين زارت أوبرا نوفوسيبرك القاهرة في أوائل التسعينات وقدمت الأوبرا كاملة.