لقي تعيين عماد أبو غازي وزيراً للثقافة في مصر ارتياحاً لدى غالبية المثقفين المصريين، حتى أنه بدا وكأنه جاء استجابة لبيان أصدره مثقفون أغضبهم اختيار محمد الصاوي وزيراً للثقافة في حكومة الفريق أحمد شفيق التي استقالت الخميس الماضي. فهذا البيان وصف أبو غازي، الذي كان يشغل، قبل توليه الحقيبة الوزارية، منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ب «المثقف الحقيقي المتشابك مع قضايا وطنه، والقادر على استعادة دور مصر الثقافي في المنطقة». ووفقاً لمؤشرات عدة، لم يكن اختيار أبو غازي لهذا المنصب الوزاري مفاجئاً على رغم أن الساعات التي سبقت اختياره شهدت طرح أسماء أخرى للمنصب نفسه، أبرزها الكاتبة سكينة فؤاد. لكن المنصب ذهب لأبي غازي لاعتبارات أهمها خبرته في العمل داخل الوزارة، إذ أمضى نحو 13 عاماً معاوناً للأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة مع كل من جابر عصفور وعلي أبو شادي، قبل أن يتولى هذا المنصب منذ نحو عامين. ومن المفارقات أن والد عماد الدين أبو غازي، الناقد التشكيلي بدر الدين أبو غازي (1920 - 1982) كان وزيراً للثقافة في مصر قبل نحو أربعين عاماً. والأمر نفسه ينطبق على سلفه محمد الصاوي، فوالده الكاتب عبد المنعم الصاوي تولى منصب وزير الثقافة في سبعينات القرن الماضي. ويفخر أبو غازي كذلك بكونه سليل الأسرة التي أنجبت مثال مصر الكبير محمود مختار، فهو خال والده. ويمتلك أبو غازي كذلك من المؤهلات العلمية ما يضمن استحقاقه لمنصبه الرفيع، فهو حاصل على ماجستير في الوثائق عام 1988 ثم دكتوراه في المجال نفسه عام 1995، وهو الآن أستاذ مساعد للوثائق في جامعة القاهرة، وله الكثير من المؤلفات من أهمها «طومان باي»، و«حكاية ثورة 1919»، و«الحيازة الزراعية في عهد المماليك»، و«الجشذور التاريخية لأزمة النهضة». وعطفاً على مؤهلاته العلمية ينتمي أبو غازي إلى جيل شباب السبعينات في مصر، الذي أعطى الكثير على الصعيدين الثقافي والسياسي، وشارك في الاحتجاجات الطالبية ذات المطالب الوطنية، كما انخرط في عضوية عدد من الجمعيات الأهلية العلمية، ومنها «جمعية محبي الفنون الجميلة، و»الجمعية التاريخية». وإلى جانب عمله الأكاديمي الخالص يركز أبو غازي على كتابة المقالات المتعلقة بتاريخ مصر، ولفتت مقالاته في الإصدار الأول من صحيفة «الدستور» القاهرية (1995 – 1998) النظر بدعوتها الجريئة إلى قراءة جديدة لبعض الملفات الشائكة في هذا المجال، وهي ملفات ما زالت تشغله في الصفحة التي يحررها حالياً في صحيفة «الشروق» القاهرية. وأعطى أبو غازي الكثير من خبراته في مجال التوثيق لمشاريع بحثية مهمة، منها مشروع توثيق تاريخ الحركة الشيوعية المصرية مع «مركز البحوث والدراسات العربية»، وهو مشروع رائد في اعتماده على استخدامات التاريخ الشفوي باعتبارها جزءاً من الأرشيف ووسيلة من وسائل سدّ الثغرات التي يتركها، عادة، التاريخ الرسمي، كما عمل مع مكتبة الإسكندرية في مشاريع بحثية مهمة ضمن مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة». مشروع أبو غازي في وزارة الثقافة يؤكد «دعم مشروع الدولة المدنية» كونه من الناشطين المعروفين في جماعة «مصريون ضد التمييز»، وتجلى ذلك عبر سعيه الناجح إلى تأسيس لجنة للمواطنة ولثقافة الشباب مارست عملها بين لجان المجلس الأعلى للثقافة خلال العام الماضي. وفي تصريحات صحافية أكد أبو غازي أنه يضع أولويات مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير في اعتباره من خلال السعي إلى بناء عقل المواطن المصري وتأكيد ثقافة الاستنارة، ودعم كل النشاطات الثقافية المتاحة، سواء الأهلي منها، أم المؤسسي. لكن يظل فصل المجلس الأعلى للآثار عن وزارة الثقافة عائقاً أمام تنفيذ الكثير من المشاريع الثقافية، فقطاع الآثار كان يدر على صندوق التنمية الثقافية نحو 80 مليون جنيه سنوياً. وعلى رغم أن بعض المثقفين تحفظوا عن اختيار أبو غازي كونه امتداداً للسياسة نفسها التي رسمت من قبل في وزارة فاروق حسني، إذ تولى مسؤوليات كبيرة طوال ما يقرب من عشر سنوات، إلا أن ثمة اتفاقاً بين الجميع على النزاهة الشخصية التي يتمتع بها، الأمر الذي يبعده عن شبهات الفساد المالي. ومن المؤشرات التي تجعل أبو غازي اختياراً مقبولاً كونه نجح خلال فترة توليه أمانة المجلس الأعلى للثقافة في الانفتاح على الأجيال الجديدة في الثقافة المصرية والعربية. وتجلى ذلك في المؤتمرات التي نظمها المجلس أخيراً للرواية والقصة، وهي مؤتمرات مكنته من بناء شبكة قوية من العلاقات مع كبار المثقفين والمبدعين العرب تعينه على دعم خططه المقبلة في تأكيد البعد القومي للثقافة المصرية والتركيز على دعم اتجاه مصر لاستعادة عمقها الأفريقي والاتجاه نحو «الجنوب المهمل». وهو كان نظم مؤتمرين لمناقشة هذا الملف في أقل من عام. كذلك سعى أبو غازي إلى التعاون مع المؤسسات الثقافية المستقلة المنتشرة في مصر لأنه «ليس في تنافس معها وعملها مكمل لعمل الوزارة»، مشيراً إلى أنه سيعمل على توجيه لجان المجلس لإنجاز مهمة أصيلة في صلب عملها، وهي مهمة «رسم السياسات الثقافية».