ألف وهمزة، وحروف تتكلم في قصص الأطفال، كانت ترسم من جسده خريطة تدرسُ تفاصيلها بعناية فسخر منها الأصدقاء. حين ابتسم قررت أن تغير وظيفتها وتدرس الفلك، وحين كان يرتدي بلوفراً بزرقة بحر ساكن رأت سماء تحيط بابتسامته فلم تكترث بسخرية الأصدقاء. حروف الهجاء يتعلمها الصغار بلا اكتراث، وتحكيها لهم بعناية، كانت قد تعلمت درس الوطن على جسده، وحين حكى لها كيف فاجأته زوجته وهو يحلم بها... تجمدت في مكانها. كان انجلز يقول: «لا يوجد هناك ما يسمى خيانة، لكنه حب لحظي»، أسكتت دماغها عمداً ولم تفكر في كونها تسرق أبناء أخرى. في التظاهرات خرجت تهتف ضد الفساد. كانت عيناها موزعتين تبحثان عن همزة. حين لمحت اسم محل له علاقة به تنفست الصعداء، وأسرعت تهتف وتجري بحثاً عن خريطتها، كانت مصر كلها مرسومة عبر جسده، لا تعرف لماذا سيطرت عليها هذه الفكرة؟ تلمس جسده بعناية وتبحث عن بيتها. في نهاية الحلم كانت زوجته تقف تنظر إليها بغضب، وكانت هي تبحث عن الوطن، فلماذا غضبت زوجته بينما هي لم تأتِ للاحتلال؟ كان انجلز ماكثاً في عقلها يحرضها على امتلاك الخريطة ولم تكن تطمع في أكثر من مساحة صغيرة من الوطن. ألف، بداية، فلماذا لم تكمل تعليم الصغار بقية الحروف. بعد الثورة كان من أهدافها أن تعلم الأطفال حروف كلمة مصر فقط. لكنها مرة أخرى لم تستطع الفكاك. حملت حقائبها وتقدمت بطلب لنقل مكان إقامتها، لكنها غادرت ومعها الحلم نفسه. تمسح جسده بعينيها، ثم بيديها. تقف عند قدميه، تحاول تقبيلهما، فيرفض ذلك بشدة، بينما يتعجب من نديتها المبالغة. حين خلت إلى نفسها تذكرت بكارتها وأربعين عاماً مضت. هذه الليلة له. هكذا عزمت وهي تمسح من فوق السبورة حروف الهجاء، والتاريخ وخريطة مصر. كانت السبورة سوداء وطباشيرها بيضاء، فلما اندلعت الثورة اشترت بما تبقى معها طباشير ملونة ورسمت علم مصر، وملامح وجهه. للحرف شخصية. وللعلم ثلاثة ألوان. ولمصر جسده. في اليوم التالي رسمت خريطة بوجه رجل، وحين سألها الصغار: من هذا الرجل؟ قالت: آمون رع. وشى بها أحد الصغار وأُحيلِت إلى التقاعد. في البيت رسمت خرائط كثيرة ووجهاً واحداً. كانت تخاف النوم فلا يأتيها الحلم، فظلت تحكي عن حروف الهجاء، وتقيم حلقات نقاش عن شخصيات الحروف لا يحضرها غيرها. أحدهم سمعها من نافذة حجرتها. طرق الباب وقال: أعمل في جريدة. لماذا لا تكتبين معنا؟ صمتت وطلبت ليلة للرد. نامت وحين حلمت لم يأتِ، ولم تأتِ زوجته، ولم ترَ غير زرقة سماء وشمساً تتوسطها وعربة ملكية. لم يبق من الحلم سوى ابتسامة على شفتيها، وورقة خطت بها حروفاً فسرتها في ما بعد بكلمة «وطن». قامت، فاغتسلت ومشطت شعرها، قبل أن تجدله في ضفيرة طويلة، وخلف المكتب جلست لتكتب وترسم من جديد.