أساتذة الجامعة هم الرموز العلمية والتقدمية والإبداعية والثقافية المهمة في المجتمع، وكلما كان إعداد الأستاذ الجامعي مميزاً خلال مراحل وجوده في الجامعة تعلّمَ طالبه منه، واستطاع أن يمدَّ سوق العمل بمخرج جيد يعكس القوة العلمية والثقافية لأستاذه، والعكس صحيح إذا تعلم الطالب على يد أساتذة سلبيين لا يتقنون إلا النقد والتوبيخ والعيب على جيل لا يُحسن الكتابة، والأستاذ نفسه لا يحسن إلا الحشو والتلقين، ويكثر في حديثه اللحن، ولا يحسن التعامل مع التقنية، فضلاً عن أن يستثمرها. يُسَرُّ المتفوقون والمبدعون من الطلبة حين يعلن عن وظائف للإعادة في جامعاتهم، ويتسابقون للحصول على إحدى هذه الوظائف لأن تاريخهم الدراسي المشرف، وتفوقهم العلمي والبحثي يشفع لهم، إذ ليسوا بحاجة إلى حرف الواو لتتحرك معاملتهم، أو ليحصلوا على وظيفة أستاذ جامعي تليق بما قدموه وتعلموه، ويُسقط في أيديهم حين يحصل ما لم يكن في الحسبان. عشر وظائف تزيد أو تنقص يذهب منها قرابة النصف أو زد عليها قليلاً لطلاب امتازوا وبجدارة بالقرابة لأحد منسوبي الجامعة، أو أحد المسؤولين الكبار حتى لو كان سائق المسؤول أو طباخه، ولا يضر تاريخهم الدراسي الذي وبامتياز يُنبئ عن تخرج لا يحمل مرتبة شرف، ما يؤكد رسوب الطالب في أحد المقررات أثناء دراسته، كما لا يضيرهم شراؤهم أبحاثَهم الجامعية أثناء مرحلة الدراسة، وهذا ما يدفعهم إلى البحث عن مكاتب الخدمات البحثية لتنهي لهم إجراءات خطة البحث، ومن ثم الشروع في كتابة البحث، وتأتي المناقشات العقيمة التي لا تعدو عن أن تكون روتيناً تقليدياً لا يسمن ولا يغني من جوع علمي، ليعلن بعدها حصول الطالب على درجة الماجستير أو الدكتوراه مع مرتبة الشرف. وما زلت أذكر مناقشتي خطةً لإحدى طالبات الدراسات العليا التي لم تكلف نفسها حتى بقراءة الخطة قبل تقديمها، ما كشف للجميع أن أناملها الكريمة لم تخطَّ حرفاً واحداً منها، بل وتعلن بعد ثبوت جريمة التكثر والسرقة العلمية أن العلم رحم بين أهله، ومن حق الطالب أن يستفيد من الجميع، وكلماتها «كلمة حق أريد بها باطل»، لأن الكل يتفق على الاستفادة لا السرقة أو شراء الكلمات والأبحاث، وقد تخرج على يد هذه الأستاذة مئات الطالبات، فليت شعري أيّ طالبات خرجّت؟! ما قادني إلى هذا كله أنني أرى ويرى الجميع أن وظائف الإعادة في بعض الجامعات لا يرشح لها من يستحقها، وإنما تسحب من تحت صاحبها ليفترشها من ليس أهلاً لها، وليت افتراشه لما هو حق لغيره يختص به ولا يتعدى لغيره، بل سيضحى فراشه ناراً تتلظى يكتوي بها أبناؤنا، فيتعلمون من أساتذتهم السلبية واللحن الفاحش واجترار المعلومة على جادة القص واللزق.. وهلمَّ جرّاً من الصفات السلبية المكتسبة التي يرثها الطالب من أستاذ قاده حرف الواو لمنصبه ليكون الضحيةَ أبناؤُنا، وليبكي المجتهد دموع الحسرة على تفوق لم يذُق منه إلا طعم القهر والظلم. إن الوطنية الحقة لن تحصل ما لم يسُدِ العدل، وتتكافأ الفرص، وتنفذ القوانين على الناس دون استثناء ودون اعتبار خصوصية لأي شخص كان، وأن ينال الوظيفةَ المُجِدُّ بعرقه لا بنسبه أو بمنصب أحد أقاربه. *أكاديمية، وداعية سعودية. [email protected]