رجال شرطة إسرائيليون يركضون خلف طفل صغير لا يتجاوز الحادية عشرة من العمر، وسرعان ما يمسكون به، ويجرونه نحو سيارة للشرطة العسكرية. وفجأة تظهر الأم، هارعة اليهم في حال هياج. يقف أحد رجال الشرطة في وجهها محاولاً منعها من الوصول إلى السيارة التي يحتجز فيها طفلها، فتدفعه بقوة. لكن رجال شرطة آخرين يمنعونها من دخول السيارة. وعندما تيأس الأم من إنقاذ طفلها تبدأ بلطم السيارة بكلتا يديها وهي تصرخ. المشهد هو عملية اعتقال الطفل الفلسطيني عبدالكريم صالح في قرية النبي صالح قرب رام الله في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، وصوّرته فتاة تعمل لدى مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان «بتسليم»، ووزعه المركز كنموذج للانتهاكات التي يتعرض لها أطفال فلسطين على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلية. وروى الطفل عبدالكريم ل «الحياة» أمس مراحل التعذيب التي تعرض لها على أيدي رجال الشرطة الإسرائيليين يوم اعتقاله قبل نحو شهر، وكيف انهال أحد رجال الشرطة عليه بالهراوة أثناء نقله في السيارة من القرية إلى معسكر للجيش الإسرائيلي قرب القدسالمحتلة. وقال بلغة طفولية: «صرت أبكي وأقول للجندي أن يوقف الضرب، لكنه كان يقول لي اخرس». وفي المعسكر، وُضع الطفل عبدالكريم في غرفة لمدة ثلاث ساعات وهو معصوب العينين ومقيد اليدين. وبعد ذلك نقله أحد رجال الشرطة إلى غرفة، وفتح جهاز التبريد إلى أعلى درجة، ما أدى إلى شعوره بالبرد الشديد. وبعد غرفة التبريد، نقل الطفل إلى غرفة التحقيق، وهناك عرض عليه المحقق صوراً لمتظاهرين من القرية، وطلب منه أن يذكر أسماءهم، مهدداً إياه بالعودة إلى غرفة التبريد مرة ثانية إذا رفض. وبعد ساعات، نقل الطفل إلى سجن عسكري احتجز فيه مدة يومين قبل أن يطلق بكفالة وتعهد من والده بعدم رشق الحجارة على الجنود الإسرائيليين مرة أخرى. وما تعرض له هذا الطفل نموذج لما يتعرض له الأطفال الفلسطينيون الذين يعتقلون أثناء تظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي. وذكر وزير شؤون الأسرى عيسى قراقع أن الأطفال يتعرضون للترويع في السجون، وأن بعضهم يتعرض للتهديد بالاغتصاب. ولفت إلى أن بعض الأطفال يوقّعون على اعترافات لم يدلوا بها خشية مواصلة تعذيبهم. وعرضت وزارة شؤون الأسرى أمس أمام وسائل الإعلام أطفالاً عدة تعرضوا للتعذيب، بينهم طفل في الخامسة من عمره يدعى مؤيد البسطامي من بلدة سلوان في القدس الشرفية المحتلة تعرض للضرب بعقب البندقية على كتفه أثناء اعتقال شقيقه من منزله بعد منتصف الليل. وقال والد الطفل إنه يعالج ابنه لدى طبيب نفسي مختص، مشيراً إلى أن مؤيد يعاني من كوابيس ليلية، وأنه دائم التوتر والقلق من عودة الجنود إلى البيت مرة ثانية. ووفق إحصاءات أعدتها الحركة العالمية للأطفال - فرع فلسطين، اعتقلت السلطات الإسرائيلية العام الماضي اكثر من ألف طفل فلسطيني تحت الثامنة عشرة. وقال المحامي المختص في المؤسسة خالد قزمار إن السلطات تحتجز اليوم 222 طفلاً تحت الثامنة عشرة، بينهم 34 طفلاً تحت السادسة عشرة. وأقرت إسرائيل عام 1970 قانوناً عسكرياً يتيح لها اعتقال أطفال فلسطينيين فوق الثانية عشرة في حال ارتكابهم مخالفات أمنية. لكن قزمار قال إن السلطات اعتقلت أطفالاً دون الثانية عشرة، مخالفة في ذلك حتى الأمر العسكري الذي تعمل بموجبه والذي يخالف بدوره المعاهدات والمواثيق الدولية التي تحظر اعتقال من هم دون السادسة عشرة.