من هدى بركات الى ربيع جابر، ومن جبور الدويهي الى نجوى بركات ورشيد الضعيف ومن حسن داود الى محمد أبي سمرا، مروراً بعدد لا بأس به من كتّاب آخرين ظهروا، في شكل عام، بعد انقضاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1991)، فاستلهموها ورفضوها وعبروا عنها وعن نظرة جيل بأسره اليها في أعمالهم، يمكن القول ان ثمة في لبنان اليوم جيلاً كاملاً من روائيين وقصاصين، لم يعرف لبنان مثيلاً له في أي حقبة من حقب تاريخه الحديث، حتى وان عرف كتّاباً متفرقين يخوضون هذا النوع بين الحين والآخر، من دون أن يشكلوا جيلاً محدد الملامح. في الوقت نفسه، تطالعنا يومياً تقريباً تساؤلات غاضبة لائمة، عن السبب الذي يجعل لبنان متخلفاً كل هذا التخلف في زمن تزدهر فيه المسلسلات والأعمال التلفزيونية المصرية والسورية، على الأقل، كل هذا الازدهار، فارضة حضورها على ملايين المتفرجين العرب، متنافسة فيما بينها على النوعية غالباً، وأكثر مما على الكمية. ولافت ان كل الأصوات الغاضبة التي تطرح هذه التساؤلات تجمع على ان في لبنان امكانات بشرية ومواهب ابداعية، في التمثيل والإخراج كما في الأعمال التقنية، معطية أمثلة للتأكيد على هذا، تتعلق بعمل بعض هذه المواهب في بلدان عربية غير لبنان وتفوقها هناك. أما النقص الأكبر فهو في المواضيع والكتابة، يقولون، مشيرين الى ما يحقق فعلاً في لبنان من مسلسلات وأعمال لا تجتذب حتى المتفرج اللبناني الذي إذ يراها ساذجة تقف خارج الزمان والمكان، يفضل عليها، ليس فقط الأعمال الجادة التي تصله من مصر وسورية، بل حتى الأعمال الأقل جودة التي تصله من تركيا والمكسيك. وإذا كانت الشكوى تمتد لتشمل عدم توافر الأموال التي تمكّن من تحقيق أعمال غنية متكاملة ما يقف عائقاً في وجه المبدعين المحليين، فإن أصحاب الشكوى يقولون إن الأعمال لو كانت، في مواضيعها وكتابة هذه المواضيع، مقنعة لتوفر الإنتاج، ولتمكن نجاح الأعمال من توفير المال اللازم. إذاً، أمام هذا الواقع نتساءل، بدورنا: كيف لم يخطر في البال حتى اليوم، لجوء الأعمال التلفزيونية اللبنانية، الى الأعمال الروائية التي ذكرنا أسماء بعض أصحابها في الفقرة الأولى أعلاه؟ ولماذا هذا الاستنكاف اللافت عن سد النقص الإبداعي، لدى أهل التلفزيون - وربما أهل السينما أيضاً - بالنهل من أعمال روائية صارت تعد بالعشرات ولها جمهور قارئ ينتشر في معظم الأقطار العربية، بل حتى في بلدان أوروبية حيث نعرف ان روايات لبنانية كثيرة، ترجمت وتترجم الى أعداد زائدة من اللغات، ما يوفر خلفية تمكن الأعمال لو حققت تلفزيونياً، من أن يكون لها جمهور لا بأس به ينتظر مشاهدتها صوراً متحركة. ترى متى تجتمع مواهب أهل التلفزيون، التي لا شك فيها وفي جديتها، مع مواهب أهل الكتابة الحقيقيين، فيكون للبنان إنتاج ابداعي، مختلف - وربما جذرياً - عن هذه الميلودرامات الهرمة واللامنطقية التي تحقق وتعرض من دون أن تلفت نظر أحد... ثم نقف ونتساءل: لماذا يتأخر اللبنانيون في هذا المجال ويتقدم غيرهم؟