هل الحياة ظاهرة نادرة كونياً؟ هل يمثّل وجود البشر فرادة، بالمعنى العميق للكلمة؟ هل تبدّد الأمل في العثور على حياة كونية فعلياً؟ ربما كانت هذه الأسئلة قديمة بالنسبة لمتابعي شوؤن الفضاء والحياة في الكون، خصوصاً بعد إكتشاف عشرات من الكواكب السيّارة في الكون. ولكن هذه الأسئلة وأشباهها عادت لتضرب بإلحاح أخيراً. لماذا؟ لأن كثيراً من العلماء يعتقدون أن شروط الحياة على كوكب ما، هي أكثر تعقيداً مما ساد الظن بشأنه طويلاً. ففي النظرة السائدة علمياً، تبدو الحياة محتملة على أحد الكواكب السيّارة، إذا كان يدور على مسافة معقولة من أحد الشموس الصغيرة الحجم. ويعني ذلك ألا يكون بعيداً عن تلك الشمس (والنجوم هي شموس)، بمسافة تجعله بارداً ومفتقداً الى الدفء، ما يحيل الماء على سطحه ثلوجاً صلدة. وفي المقابل، يرجح العلماء ان تظهر المياه، وهي أساس الحياة، في الكواكب السيّارة التي لا تقترب كثيراً من شمسها بحيث تصبح الحرارة عليها لافحة، فتتبخر مياهها، ربما قبل أن تتجمع. ويطلق العلماء تعبير "الجدائل الذهب" Golden Locks على المسافات المعتدلة بين شمس ما وأحد كواكبها السيّارة، التي تجعل من ذلك الكوكب صالحاً لظهور المياه فيه، وتالياً لإمكان ظهور أشكال من الحياة عليه. وإضافة الى ذلك، يلعب تركيب الكوكب دوره أيضاً، إذ لا يرجح العلماء ظهور الحياة في الكواكب الغازية، ويميلون للقول بأن الكوكب المؤهل فعلياً لظهور الحياة عليه، لا بد أن يكون صخري التركيب، كحال كوكبنا الأزرق. وتغيّرت هذه الصورة راهناً، مع البحث المعمّق الذي أنجزه فريق من علماء الفلك في "معهد بوتسدام لفيزياء الفلك" Astrophysical Institute of Potsdam في ألمانيا أخيراً. وترأس البروفسور رينيه هيلر هذا الفريق. وتوصّل إلى ضرورة إضافة شرط جديد إلى قائمة الظروف اللازمة لظهور الماء على أحد الكواكب. ويتمثّل الظرف الجديد بحدوث مدّ ضخم في حقل الجاذبية للشمس- النجمة التي يدور الكوكب حولها، مع التشديد على أن العلماء يركّزون على الشموس الصغيرة الحجم نسبياً، لأنها تقدّم ظروفاً ملائمة لظهور الحياة على أحد الكواكب التي تدور حولها. وبرهن هيلر وفريقه أن كثيراً من الشموس الصغيرة يتحرك حقل جاذبيتها، بل يشتد ليصبح مثل مدٍ مغناطيسي كاسح. ويؤثّر هذا "المدّ" على محور الحقل المغناطسي للكوكب، ما يؤثر تالياً في دورانه حول شمسه. ومثلاً، يميل محور الحقل المغناطيسي للأرض بمقدار 23.5 درجة عن مدار الأرض حول الشمس، ما يتسبب في حدوث الفصول الأربعة. ومن دون هذا الميل، أي إذا أصبحت الزاوية قائمة بين محور الحقل المغناطيسي والمدار حول الشمس، تنعدم الفصول الأربعة. وفي تلك الحال، يصبح القطبين أشد برودة بما لا يقاس، وترتفع الحرارة عند خط الإستواء إلى حدّ ملتهب. ويؤدي ذلك الى عواصف وأعاصير هائلة، مع تبخّر المياه من جهة، وإنجمادها الدائم من جهة ثانية. ويصبح الغلاف الجوي للكوكب، إذا فائق السخونة. والأسوأ من ذلك، أن فقدان الميل في محور الحقل المغناطيسي يؤدي الى تطابق حركة دوران الكوكب حول نفسه، مع دورانه حول الشمس. والمعنى المقصود هو أن الكوكب يقابل شمسه من الجهة نفسها دوماً، كما يفعل القمر الذي لا نرى سوى وجهاً وحيداً له، في ما يبقى الوجه الآخر "غائباً" عن الأرض. ويعني ذلك أن يتلقى نصف ذلك الكوكب حرارة الشمس، فيما يبقى النصف الآخر غائباً عنها. ولا يبدو هذا السيناريو ملائماً لظهور الحياة. وكخلاصة، فبأثر من بحث فريق "معهد بوتسدام لفيزياء الفلك"، أصبح العلماء يميلون للإعتقاد بأن ظهور الحياة على كوكب ما هو أمر معقد، وقد لا يكون شائعاً كثيراً. ويعاكس ذلك الإنطباع الذي ساد منذ العام 1995، عندما اكتشف أول كوكب سيّار يدور حول نجم في الفضاء الكوني، بأن الحياة متوافرة بكثرة في الفضاء، وأن الكون يأوي حضارات عدّة. فلننتظر. ولنر. للمزيد من المعلومات، يمكن الرجوع الى الموقع الإلكتروني ل"معهد بوتسدام لفيزياء الفلك" aip.de. ___________ * إعداد