إذا كانت مهاجمة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وإتهامه بأنه أراق ماء وجه الإيرانيين في المحافل الدولية أمر يجمع بين مرشحي الرئاسة الثلاثة فإن مصطلح «التغيير» هو العنوان المشترك لجميع المرشحين بمن فيهم نجاد. وبات السؤال مطروحاً عن التغيير المطلوب من خلال شعارات وأحاديث شخصيات لم تكن بعيدة من مركز صنع القرار، وتعد مسؤولة بصورة أو بأخرى عن سياسات جرت على مدى ثلاثة عقود هي عمر الثورة الإسلامية وأنتجت الوضع الذي يطالبون بتغييره اليوم. يكرر نجاد طرح وعود التغيير مبشراً بالاصلاح الاقتصادي الذي لم يتحقق في السنوات الأربع الماضية، وباتت إيران تواجه أزمة اقتصادية حيث وصل معدل التضخم الى 25 في المئة. ويشكك خبراء الاقتصاد في امكان نجاح نجاد وإن صدقت نياته، فالاقتصاد الإيراني يعاني من أمراض مزمنة لها جذور سياسية واجتماعية لا تحل باستبدال طاقم إداري بآخر. الاجماع على نجاح مير حسين موسوي الذي يعد المنافس الأقوى لنجاد في إدارة أمور البلاد في فترة الحرب الحرجة لا يلغي أسئلة عدة تطرح حول دوره في الكثير من القرارات التي أوجدت مشكلات ما زالت تبعاتها قائمة إلى اليوم وكان المهندس موسوي رئيساً للوزراء منذ تشرين الأول (أكتوبر) عام 1981 وحتى تموز (يوليو) عام 1989. موسوي وعباءة خاتمي وعاد موسوي بعد ابتعاد عن الساحة السياسية لأكثر من عشرين عاماً مستظلاً بعباءة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الذي حكم لمدة ثماني سنوات، يصفها المحافظون بأنها شكلت تراجعاً عن شعارات الثورة الأساسية وسلمت زمام البلاد للغرب بحجة مد جسور الثقة مع الآخرين وشهدت تجميد البرنامج النووي من دون الحصول على شيء في المقابل. وفي عهده أدرج اسم إيران كدولة راعية للإرهاب على رغم إطلاق خاتمي ما سمي بحوار الحضارات. وفي عهده أيضاً جرى الاقتحام الدامي لجامعة طهران ومسلسل اغتيال المثقفين. ولا تغيب صورة آية الله هاشمي رفسنجاني عن اللافتات الدعائية لموسوي والتي تحمل شعار التغيير، علماً أن العقوبات الاقتصادية ضد إيران بدأت حين كان رئيساً للجمهورية الإسلامية، وحذر رفسنجاني في خطبة الجمعة من «تخلي الغالبية عن حقها في إحداث التغيير من خلال التصويت لأن ذلك معناه أن تحكم الأقلية»، وبدت النائبة السابقة فائزة رفسنجاني أكثر حدة من والدها في المطالبة بالتغيير، وخاطبت الجماهير المحتشدة في ملعب آزادي خلال مهرجان انتخابي اقيم اخيراً، «اذهبوا وصوتوا لأن مقاطعة الانتخابات لن تجلب شيئاً سوى الإعتراف بالحكومة الحالية وجعل هذا الرجل يصدق أنه إمام الزمان (المهدي المنتظر) حقاً». وإن كان من غير المنطقي تحميل موسوي تركة الإصلاحيين وهو الذي كان يعرف نفسه بأنه محافظ معتدل، الا أنه يعود حاملاً شعاراتهم ومتبنياً خطهم، ولا تكاد تنشر صورة له غير مصحوبة بصورة لخاتمي وكذلك الحال بالنسبة للشعارات الإنتخابية ومنها شعار يقول: انا أحب إيران... ادعم خاتمي... سأصوت لموسوي. وفي هذه الانتخابات يحضر خاتمي مرشحاً غير معلن هدفه الرئيسي أن يفوت على نجاد فرصة انتخابه لدورة ثانية ويحاول توظيف الكاريزما التي يتمتع بها في صفوف الشباب والمثقفين وتحويلها إلى أصوات تحسم المعركة الرئاسية. وفي التجمعات الانتخابية يدعو خاتمي أنصاره الى «التصويت لمصلحة موسوي من أجل فتح الباب أمام التغيير لأن البلاد تحتاج اليه بشدة للخروج من العزلة الدولية واستعادة الكرامة». سروش وعار «الثورة الثقافية» وقاد المفكر الإيراني المعروف عبد الكريم سروش أعنف هجوم ضد موسوي، وجاء ذلك في رسائل لاذعة تبادلها مع الكاتب محمود دولت آبادي، وكانت الإنتخابات الرئاسية الإيرانية وتأييد سروش لكروبي ودولت آبادي لموسوي الشرارة الأولى لهذا الجدال الفكري والسياسي الذي يحظى بمتابعة غير مسبوقة. لكن المواضيع التي تطرق إليها والإتهامات التي حملها سيكون لها تبعات لما بعد الانتخابات. وإن كانت المطالب الاقتصادية والمعيشية تتصدر أولويات العامة في إيران اليوم، فالمثقفون لهم حديث آخر لا يتجاهل الاقتصاد، لكنه يشرع باباً جريئاً للنقاش والمراجعة. وتولى سروش صاحب مؤلفات من أهمها «القبض والبسط» و «الصراطات المستقيمة» دفة فتح ملف «الثورة الثقافية» التي وقعت في ثمانينات القرن الماضي وقادت إلى تعطيل الجامعات و «تطهير» المؤسسات التعليمية من الإساتذة والطلبة الذين حملوا توجهات مخالفة. سروش الذي وصف «الثورة الثقافية» بأنها «عار ثقيل ما زال يلاحق الثورة الإسلامية» اتهم موسوي بأنه كان جزءاً من المؤسسة السياسية التي «خططت ونفذت ذلك العار». وكان سروش العضو الوحيد الذي استقال من لجنة «الإنقلاب الثقافي» قبل 26 عاماً. ودافع موسوي عن نفسه بالقول إن ذلك حدث قبل أن يصبح رئيساً للوزراء وجاء دفاعه هذا خلال إجابته عن أسئلة لطلبة جامعة طهران، وهو ما رد عليه سروش واصفاً إياه بالكذب الصريح مؤكداً أن جلسات المشاورة في شأن «الثورة الثقافية» كانت تتم برئاسة موسوي نفسه. وما كاد موسوي يقدم «منشور حقوق الإنسان» ضمن حملته الإنتخابية حتى كان الحقوقي والمحامي الشهير ناصر زرافشان - الذي قضى عقوبة بالسجن على خلفية اتهام بإفشاء أسرار الدولة في قضية القتل المتسلسل التي طاولت مثقفين إيرانيين - يطالب موسوي بإعلان موقفه صراحة من واقعة إعدام عدد من السجناء السياسين في عقد الثمانينات من القرن الماضي قبل أن يقدم منشوره. وكان موسوي وقتها يشغل منصب رئيس الوزراء. ويؤكد زرافشان أن «الأسئلة ما زالت مطروحة إلى الآن حول دوره في ما جرى». القادمون للتغيير وعن التغيير أيضاً يتحدث المرشح محسن رضائي، المحافظ الذي قاد «الحرس الثوري» طوال 16 عاماً من 1981 وحتى 1997 وترشح في انتخابات 2005 الرئاسية لكنه انسحب قبل بداية التصويت، ويرى رضائي أن إيران تحتاج إلى تغيير ويتحدث عن القلق الذي أصابه من كثرة الفرص الضائعة بخاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية سواء في داخل البلاد أو في المنطقة أو العالم، ويرى رضائي أن «وعود اوباما حتى وإن كانت مزاعم فإنها فرصة يجب استغلالها من منطلق القوة والمصلحة»، لكن رضائي الذي يتحدث عن خطاب جديد مع العالم تلاحقه اتهامات جنائية دولية ينفي ضلوعه فيها. فقد اتهمته الأرجنتين عام 2006، بضلوعه في تفجير المركز الثقافي اليهودي في بوينس أيرس عام 1994، وصدرت في حقه بتلك القضية مذكرة توقيف دولية. وجاء مهدي كروبي ليرشح نفسه للمرة الثانية يتقدمه شعار «أتيت من أجل التغيير». وشغل كروبي منصب رئيس البرلمان لفترتين (1990-1992 و 2000 –2004)، ويرأس حزب «اعتماد ملي»، أو الثقة الوطنية، الذي يقدم توجهاً معتدلاً، وسعى وحزبه خلال السنوات الأخيرة الى الابتعاد عن المغالاة في تبني التوجهات الاصلاحية لدى تيار خاتمي متهماً اياها بالابتعاد عن النظام الاسلامي والسير نحو العلمانية. ويطرح كروبي نفسه كواحد من دعاة المجتمع المدني وحرية الصحافة والحرية الإجتماعية. لكن سجلات مجلس الشورى تفيد بأن «قانون اصلاح المطبوعات» قد تم تمريره عندما كان كروبي رئيساً لمجلس الشورى في دورته الخامسة وهو القانون الذي فرض قيوداً كبيرة على حرية الصحافة. ومع محاكمة شهرام جزايري في قضية من أكبر قضايا الفساد المالي التي شهدتها إيران تحدث جزايري عن 300 مليون تومان دفعها لمؤسسات كروبي الخيرية. ويرى الإصلاحي رسول منتخب كيا أن ملف جزائري لم يكن قضية فساد اقتصادي بل كانت قضية سياسية قصد منها تشويه سمعة بعض الشخصيات الإصلاحية، لكن كروبي لم ينف واقعة تلقي تلك الأموال قائلاً أنها «ذهبت إلى أمور خيرية ولم تذهب إلى جيبي الخاص».