ثمة مثل شائع في المشرق العربي يقول «آذار: أبو الزلازل والأمطار». وتربط الكلمات بوضوح بين اهتزاز الأرض وسقوط الماء من السماء. على صفحات في ال «سوشال ميديا»، لا علاقة بين الأعاصير التي تتالت في منطقة «خليج المكسيك» في أميركا من جهة، وبين الزلزال الذي ضرب المكسيك من الجهة الثانية. ولا يصلح التقارب في الزمن أساساً للقول بوجود رابط سببي بين الأمرين. علميّاً، تنجم الزلازل عن اندفاع سببيّن أساسيين هما إما خروج مفاجئ لقوة تندفع من القلب الناري للكرة الأرضيّة، أو اندفاع صخور من ذلك المركز باتجاه قشرة الأرض. وتضرب إحدى القوّتين الصفائح التكتونيّة التي تتحرّك باستمرار وببطء في قشرة الأرض، فتندفع الزلازل. ويُسجّل زلزال كبير مرّة كل شهر، في مكان ما من العالم. ويُنظر إلى الهزّات التي تسجل 6 درجات على مقياس «ريختر» بوصفها أقوى بعشرة أضعاف من تلك التي تصل إلى 5 درجات، فيما الطاقة التي ترافق الأولى تزيد على الثانية بمقدار خمسين ضعفاً. ويوصف الزلزال بأنه «رئيسي» إذا سجل 7 درجات. ويُسمى الزلزال «كبيراً»، إذا وصل إلى 8.25 درجة (زلزال المكسيك كان بدرجة قريبة من ذلك)، ما يجعله مئتي مرة أكبر من الرئيسي. وحاضراً، كان زلزال المكسيك قريباً من ذلك، إذ سجّل 8.1 درجة. وينطلق زلزال كبير كل عشر سنوات. ولا تتطابق قوة الزلزال تماماً مع الدمار الناجم عنه، بل يساهم عمق مركز الزلزال بقسط وازن فيه. وكلما اقترب المركز من سطح الأرض، زاد الدمار، وكذلك الحال بالنسبة الى المسافة التي تفصله عن المنطقة التي ضربها. وفي سجل زلزال المكسيك أن مركزه كان قريباً من السطح، إذ لم يزد عمقه عن 69 كيلومتراً، وكان على مبعدة 87 كيلومتراً من البر المكسيكي. وتشرح المعطيات العلميّة نفسها ظاهرة «تسونامي»، وهو زلزال يترافق دوماً مع أمواج بحريّة عاتية، لأن مركزه يكون قريباً من السطح الصلب في قاع المحيط. وربما يغيب عن كثيرين أن قيعان المحيطات والبحار تضم 55 سلسلة جبليّة أساسيّة، تشبه الهضاب المرتفعة الكبرى على سطح الأرض. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2004، تجمّعت طاقة زلزاليّة في مركز لم يزد عمقه على عشرة كيلومترات في المحيط الهندي. واندفع زلزال هائل كانت قوّته 9 درجات من أصل عشرة تشكّل كامل مقياس «ريختر»! وحرّك أمواجاً لا تفلح المسافات في كسر حدّتها. وإذ وصلت الى شواطئ سومطرة في الأرخبيل الأندونيسي، تباطأت سرعتها وقصرت المسافات بينها، فتجمعت بعضها مع بعض، فازدادت عتّواً وارتفاعاً. وضرب مزيج الزلزال الأرضي والموجات البحريّة سومطرة، محدّثاً أحد أعنف أنواع ال «تسونامي» في التاريخ، إذ أزال مدينة «باندا آتشيه» بكاملها (أهلوها كانوا قرابة 400 ألف شخص)، وقتل ما يزيد على مئتي ألف في سومطرة. شماتة بربريّة من بعض عرب ال «سوشال ميديا» في ذروة كارثة إنسانيّة ضخمة، لم يتوانَ بعض «عباقرة» العرب عن تحويل صفحات ال «سوشال ميديا» إلى ميدان لإظهار مدى التخلّف الهائل الذي تقبع فيه أدمغتهم، بل ربما شطر من شعوبهم أيضاً. ربما بدت الكلمات قاسية، لكن بأي لغة يمكن الحديث عن سيول كلمات عربيّة أغرقت ال «سوشال ميديا»، تتحدث عن «تشفيها» بكوارث إعصاري «هارفي» و «إيرما» التي ضربت الولاياتالمتحدة أخيراً؟ الأسوأ أن تلك العقول بررت خروجها عن التعاطف الإنساني البسيط والعميق، بقضايا الشعوب على غرار الاحتلال والهيمنة والسيطرة والقمع وغيرها. ماذا يفرق فعلها عما تقوم به منظمات الإرهاب ك «داعش» و «القاعدة» و «النصرة»، في السطو على قضايا عادلة لشعوب عربيّة وإسلاميّة، ثم تزج بها ضمن تبريرات لأفعال إرهابها الذي لا تبرير إنسانيّاً له؟ تزيد المفارقة أن بعض تلك الأصوات تستخدم «لغة» إسلاميّة أيضاً. ربما أمكن إرجاع تلك الأصوات إلى عجز مطبق عن الفعل المؤثر في الحاضر المعياش والتاريخ الملموس. لكن شيئاً لا يمكنه تبرير هروب الإنسان من أخيه، كأنما هو مشهد من يوم القيامة الذي تنتهي فيه الإنسانيّة برمتها، ويعود الأمر فيه إلى الله وحده. اكتملت سخرية الأقدار مع «حرمان» العرب من تسجيل فرادة تاريخيّة بتلك الشماتة البربريّة، على يد ثلة ممن يوصفون أميركيّاً بأنّهم مسيحيّون يمينيّون، إذ نسبت تلك الثلة إعصاري «هارفي» و «إيرما» إلى «غضب الرب من شيوع المثلية الجنسيّة في أميركا». وحدّدت الإعلاميّة الأميركيّة آن كولتر الأمر بدقة، فشمتت بالخراب الذي عمّ مدينة «هيوستن» (عاصمة ولاية تكساس) بتأثير الإعصار «هارفي»، ونسبته إلى انتخاب المدينة عمدة مثليّة جنسيّاً. ومع تزامن ضربة «هارفي» مع الذكرى 12 لإعصار «كاترينا» الذي ضرب ولاية «نيوأورليانز» وقتل قرابة 1800 شخص، انفلتت أصوات شماتة بربريّة من مسيحيّين يمينيّين كمذيع الراديو ريك ويلز، والإعلامي كييف سوانسون وغيرهما. وأدى الإعصار «هارفي» إلى تشريد قرابة مليون شخص، وإغراق مدينة «هيوستن» بفيضانات شلّتها كليّاً، وقدّرت خسائره المالية بقرابة 180 بليون دولار، ما جعله الأكثر كلفة في تاريخ الولاياتالمتحدة. ومثّلت الأمطار الخطر الرئيسي الذي رافق «هارفي». وفي المقابل، ترافق الإعصار «إيرما» مع رياح سطحيّة مدمّرة بلغت سرعتها 320 كيلومتراً في الساعة، وهي الأقوى في تاريخ الأعاصير في المحيط الأطلسي، فكانت السبب الرئيسي في الدمار الذي أحدثه. وإذ ضرب ولاية «فلوريدا»، تسببت رياحه في ضعضعة شبكة الكهرباء فيها على نحو لم تشهده الولاية منذ إعصار «ويلما» في 2005. واستمرت الرياح في عصفها مع دخول «إيرما» اليابسة في الكاريبي، بسرعة 295 كيلومتراً في الساعة. وأحدثت دماراً واسعاً في جزر «باربودا» و «سان بارتلمي» و «سان مارتان» وغيرها من الجزر الصغيرة في الكاريبي.