في وقت تبعث أوضاع الشرق الأوسط على القلق، لم تلق الأنباء المثيرة عن ترسانة باكستان النووية اهتماماً يلحظ. ونشرت مجلة «تايمز» أخيراً أن الاستخبارات الأميركية تعتقد أن باكستان حازت نحو 110 رؤوس نووية جاهزة. وهي كانت تملك قبل عامين نحو 70 رأساً نووياً. وتعجز باكستان عن إطعام شعبها، وتعليم أطفالها، وهزيمة الجماعات المسلحة من غير الاستعانة ببلايين الدولارات من الدعم الخارجي. وعلى رغم ذلك، بدأت اسلام آباد تبني مفاعلها النووي الرابع بالتعاون مع الصين لإنتاج أسلحة نووية ووقود النووي. ووفق الخبراء، باكستان في غنى عن المفاعل الجديد. فهي أنتجت ما يكفي لنحو أربعين رأساً نووياً إلى مئة رأس نووي جديد. ويترتب على ذلك تحول باكستان، وهي تزعم أنها ترمي الى بلوغ أدنى عتبات الردع النووي، قريباً خامس قوة نووية في العالم بعد الولاياتالمتحدةوروسيا وفرنسا والصين. وهي أحرزت تقدماً كبيراً على كل من بريطانيا والهند، في وقت باشرت واشنطن وموسكو عملية تقليص الاسلحة النووية. وتفوق روسيا وأميركا النووي راسخ، وفي حوزة الواحدة منهما آلاف الأسلحة النووية. ويحتمل أن تلوح واشنطن بوقف بلايين الدولارات من المساعدات الأميركية إذا لم تعدل إسلام آباد عن مغامراتها النووية. ولكن وقف المساعدات قد يعوق الجهود الصعبة في أفغانستان وقد يؤدي إلى زعزعة باكستان. والحق أن لا سبيل الى وقف اندفاع باكستان والصين والهند نحو التسلح النووي. ولكن إبطاء وتيرة هذه السباق النووي هو ضرورة استتباب الأمن الإقليمي والاستقرار العالمي. وواشنطن مدعوة الى إيلاء المسألة هذه الأولية الاستراتيجية. وحري بها توسل نفوذها لكبح السباق هذا. ولا ريب في أن أسوأ الكوابيس هو احتمال اطاحة المتطرفين الباكستانيين حكومة اسلام آباد، ووقوع الأسلحة النووية في أيديهم. ولا يبعث على الاطمئنان ضعف الحكومة المدنية الباكستانية وقيادتها وقوة الجيش الباكستاني، والعداوة بين باكستان والهند، وهي بدورها، نووية. ويزعم الجيش الباكستاني انه يحتاج إلى الأسلحة النووية لردع الهند التي تتفوق في مجال الأسلحة التقليدية على باكستان. ويغفل الجيش هذا أن الخطر الحقيقي الذي يتهدد بلاده مصدره طالبان والجماعات المتطرفة. ولا شك في أن انعطاف العلاقات الباكستانية – الهندية وإرساء تطبيع ديبلوماسي واقتصادي هما السبيل الى تغيير المعادلات في المنطقة. وبادرت هاتان الدولتان، أخيراً، الى استئناف المحادثات الثنائية التي توقفت في 2008، إثر الهجوم الإرهابي على مومباي. وبلوغ المسار الديبلوماسي هذا مآربه قد يستغرق وقتاً طويلاً. وأعلنت الهند أنها لن تقبل وساطة خارجية. وفي وسع إدارة الرئيس أوباما حض دلهي وإسلام آباد على حل خلافاتهما حول أفغانستان وكشمير المتنازع عليها بين البلدين. ويُفترض بباكستان أن تحظر أنشطة المسلحين الذين يستهدفون الهند. وواشنطن مدعوة الى مطالبة المؤسستين العسكريتين الهندية والباكستانية بمباشرة الحوار، وأن تطلب من الحكومتين البحث عن سبل تخفيف مخاطر الانزلاق الى حرب نووية، والمبادرة الى مد خطوط ساخنة وتبادل المعلومات لوقف سلاح التسلح بينهما. وحري بواشنطن وحلفائها السعي الى الحؤول دون تعويق باكستان المفاوضات الدولية على حظر تجارة الوقود النووي وإنتاجه. فالعالم، وهذا الجزء منه على وجه التحديد، هو على شفا الانفجار. وهو في غنى عن أخطار أسلحة نووية جديدة. * افتتاحية، عن «نيويورك تايمز» الاميركية، 20/2/2011، إعداد جمال اسماعيل