لا يأتي حدث حزين ك«عزاء»، أو يُحدد تاريخ مناسبة سعيدة، إلا كان رقم «صبابات القهوة» هو البحث الأول والأهم في الحدث، لمحاولة الحصول على أكبر عدد منهن لتولي زمام «دلة القهوة» في المكان، والذي قد يمنع أصحاب الشأن من إدارة «الفناجيل» بين الحضور، إما لانشغالهم أو لقلة عددهم وكثرة الحضور، أو لتوليهم مهمات أخرى أهم في الحدث، كاستقبال الناس أو إدارة شؤون الضيوف الأخرى، حتى تستمر رائحة القهوة تعطر المكان محتضنةً أيدي الضيوف مستعدة ساخنة مصحوبة بابتسامة «الصبابة»، التي توحد زيّها مع بقية رفيقاتها في المناسبة ك«سمة» تميزهن عن بقية أصحاب المناسبة. إذ لم تكن هذه المهنة جديدة أو دخيلة على المجتمع، ولكنها كغيرها من المهن تبدلت وتطورت وأدخل عليها الكثير من التغييرات، وتعتبر مهنة المقهوي والتي كانت خاصة بالرجل تقريباً، من المهن ذات الارتباط بالعادات العربية الأصيلة والتي تعني الكثير ولها طقوس ذات جذور من أقدم العصور، وكانت هذه الطقوس من أهم الطقوس اليومية لدى العائلات في الخليج، وهي شرب القهوة بشكل دائم منذ بزوغ الشمس، ولا يمكن لضيف أن يدخل بيتاً من دون أن تقدم له القهوة كأحد أهم رموز الكرم والضيافة، واندثرت الكثير من العادات التي لطالما صحبت القهوة، مثل أن يُعد «المقهوي» القهوة في دكان صغير ومن ثم يضعها في الدلة، ويمر في الأسواق ليقدمها بكل أدب وحسب الطقوس للآخرين في مقابل ما تجود به أنفسهم من كرم عربي. إلا أن بقاءها كرمز عربي للكرم والضيافة لم ينته، بل امتدت لتصبح مهنة المقهوي ليست حكراً على الرجل بل دخلت إلى أقسام النساء ولكنها بشكل مطور وجديد، وبزي موحد «يونيفورم» وطريقة تقديم احترافية، من رفعة للدلة وطريقة الصب إلى «هزة الفنجال» التي توحي بدلائل عدة. بل وتجاوز الأمر المناسبات لتصل إلى الأماكن الرسمية وبعض الشركات في طرح إعلانات توظيف لعامل أو عاملة قهوة محترفة تجيد تقديم القهوة للضيوف، ويكون الطلب على عاملة «سعودية» أو «عربية» لإلمامها البديهي بكل طقوس وعادات القهوة، إذ تبقى الأجنبية وخصوصاً الشرق آسيوية شكلاً مستهجناً على مهنة «صب القهوة»، التي قد لا تدرك أسرارها ولا ألفاظ تقديمها وكمية صبها سوى ابنة القهوة العربية. وهنا تؤكد السيدة مريم سلامة وهي سيدة تدير فريقاً من «صبابات القهوة» يبلغ 26 سيدة تتراوح أعمارهن بين 44 و52 عاماً، سعوديات وعربيات وأفريقيات ممن يتحدثن ويجدن العربية وتدربن على كل ما يخص أمور الضيافة والتقديم، وتقول: «هناك مواسم للمناسبات وطلبات المناسبات، وهناك أحداث مفاجئة ك(العزاء) الذي يحدث فجأة وهذا قد يقلل العدد المطلوب للعميلة دائماً، وقد أستعين بإحدى الصديقات التي لديها فريق آخر لتتم التغطية في حال نقص العدد، وتبدأ أجرة السيدات من 200 ريال لليلة الواحدة، ويرتفع السعر حسب طلبات الضيافة لأنها قد تشمل الحلويات والمأكولات بجانب القهوة». وتضيف سلامة أن هذه المهنة بدأت تتوسع والطلبات تزداد ولا يوجد لها تنظيم رسمي، إذ إن أغلب العاملات فيها غير ملتحقات بأعمال أخرى أو سيدات ممن كانت ظروفهم صعبة للغاية. وتبقى رمزية «القهوة العربية» هي الأبرز حتى اعتبرت أخيراً إحدى أهم طرق الضيافة في الفنادق الراقية وصالات ضيافات المطار والمناسبات الرسمية، على رغم غزو التركية والأميركية والإيطالية والفرنسية، وشربها حلوة أو مرة، أو سمراء أو شقراء، تنتصر رائحة البن العربي في بقائه رمزاً للضيافة السعودية.